جدّ حساس هو الوضع الاقتصادي الذي تعيش على وقعه تونس ، التي لا تزال تعيش تحت وقع الرّجة التي أثارها إدراجها ضمن قائمة سوداء جديدة من قبل البرلمان الأوروبي الذي صنّفها في قائمة البلدان الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعد أقل من شهر تقريبا على تصنيف البلد ضمن قائمة سوداء للملاذات الضريبية قبل التراجع عن ذلك.. وتضافر الحكومة الخطى للنهوض بشتى القطاعات الاقتصادية وتحقيق نهضة في النمو الاقتصادي بالبلاد من اجل إنعاش الوضع المالي المترهل لها . وفي خضم هذا الشأن، أفاد صندوق النقد الدولي في تقرير قيّم من خلاله الاقتصاد الوطني، موضّحا أنّ تونس تشهد تعافيا محدودا في الوقت الحالي عقب سنوات صعبة، بينما تفاقمت مواطن الضعف الاقتصادي الكلي وظلت معدلات البطالة مرتفعة. وأوضح أنّ أداء الاقتصاد الكلي سلبا بعدة صدمات، بما في ذلك الهجمات الإرهابية وفترة التحول السياسي المطولة والبيئة الخارجية الصعبة، وقد ارتفع معدل النمو إلى 1.9% في عام 2017، بينما ظل معدل البطالة مرتفعا عند نسبة 15% وتفاقمت مواطن الضعف. وبلغ تضخم مؤشر أسعار المستهلكين 7.6% في مارس 2018، ليصل بذلك إلى أعلى مستوياته على الإطلاق (على أساس سنوي مقارن) منذ منتصف عام 2013 نتيجة انخفاض قيمة الدينار وزيادة الأجور وارتفاع الأسعار الجبرية، كذلك تجاوز عجز الحساب الجاري 10 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2017، مما يعكس قوة الطلب على الواردات وتعطل تصدير المنتجات التعدينية. ووصل الدين العام والخارجي إلى حوالي 71% و80% من إجمالي الناتج المحلي، على الترتيب، وانخفضت الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي التونسي دون المستوى الحرج اللازم لتغطية الواردات والذي يبلغ ثلاثة أشهر، وخفضت وكالة "موديز" مؤخرا تصنيف الدين التونسي إلى B2 مع توقعات سلبية. وبيّن الصندوق أنّ الحكومة التونسية انطلقت في معالجة هذه التحديات، واعتمدت ميزانية خافضة للعجز لعام 2018، وبدأت في تشديد السياسة النقدية، وجددت التزامها بالحفاظ على استقرار سعر الصرف. وكان صندوق النقد الدولي قد أصدر الأسبوع الفارط بيانا أكد فيه أن النمو الاقتصادي في تونس يتجه نحو الانتعاش لافتا الى ان النمو الاقتصادي يواصل تحسنه مدفوعا بالموسم الفلاحي الجيّد وزيادة الاستثمار إضافة إلى التعافي المبكر الذي تشهده الصادارت ، وهو ما يعتبر اعترافا هامّا بالنسبة لتونس في مثل هذه الفترة الحساسة التي تمر بها ، مما من شأنه أن يدعم حظوظها للخروج من القائمة السوداء الأخيرة التي أسندت الى تونس من طرف الاتحاد الاوروبي. و قال صندوق النقد الدولي، في بيان له الجمعة حول الوضع الاقتصادي في تونس، إن النمو الاقتصادي يواصل الانتعاش، لكن المخاطر على الاستقرار الاقتصادي الكلي ارتفعت أيضاً، معتبراً أن التنفيذ القوي للسياسات والإصلاحات المقررة سيخفِّض المخاطر على الميزانية ويبطئ معدل التضخم. كما أكد الصندوق أن المناقشات حول أولويات الإصلاح الاقتصادي ستستمر على المدى القصير في أثناء اجتماعات الربيع المقرر عقدها في واشنطن العاصمة في الفترة 20-22 أفريل. وقال الصندوق في بيانه"لا تزال الاتجاهات المتعارضة تميّز الاقتصاد التونسي في مطلع عام 2018. فالنمو الاقتصادي يواصل التحسن، تدفعه جودة الموسم الزراعي، وزيادة الاستثمار، والتعافي المبكر الذي تشهده الصادرات". من ناحية أخرى، ارتفعت المخاطر التي يتعرّض لها الاقتصاد الكلي، فالتضخم ارتفع بسرعة مسجلاً 7.6% في شهر مارس، وتغطية الاحتياطيات الدولية لا تزال أقل من 90 يوماً من الواردات، والدين العام والخارجي بلغا 71% و80% من إجمالي الناتج المحلي، على التوالي. ويرى الصندوق أنه من الضروري معالجة الاختلالات الاقتصادية لإبقاء التعافي على مساره الصحيح وتدعيم الأسس اللازمة للنمو الاقتصادي العادل والمنصف في المستقبل. وسيساعد احتواء الدين حالياً على الحيلولة دون زيادة الضرائب فيما بعد. ولضمان انخفاض عجز الميزانية، وفقاً للمستهدف في قانون المالية لسنة 2018، يتعين تخفيض دعم الطاقة غير العادل عن طريق زيادات في أسعار الطاقة المحلية تمشياً مع أسعار النفط الدولية. ويتفق فريق الصندوق مع البنك المركزي في أن تثبيت توقعات التضخم من خلال زيادات إضافية في سعر الفائدة الأساسي سيصبح ضرورياً، إذا لم ينخفض التضخم بسرعة. وسيؤدي تخفيض التضخم إلى حماية الفقراء، والحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين، وتحقيق الاستقرار في الآفاق الاقتصادية الكلية. أما بالنسبة إلى مركز تونس الخارجي، فيرى الصندوق أن زيادة مرونة سعر الصرف ستساعد على إعادة بناء الاحتياطيات الدولية والاستمرار في تشجيع الصادرات، مؤكداً إمكانية تصحيح تقييم الدينار المبالغ فيه من دون الحاجة إلى تعديل مفاجئ.