انقضى على سباق البلديات الانتخابي أكثر من أسبوع ، و لا يزال جدل النتائج التي أفرزتها متصدّرا الواجهة ، سيما وقد جاءت حمّالة لعديد المعاني والرسائل ، لعلّ أبرزها فقدان ائتلاف الجبهة الشعبية لكتلة هامة من أنصارها وفق ما شفته صناديق الإقتراع لتضحي بلا نصير . وحلت الجبهة ، وفق النتائج الأولية للانتخابات البلدية المجراة في 6 ماي 2018، في المركز الرابع (بين الأحزاب) بعد حركة النهضة ونداء تونس والتيار الديمقراطي و لم تحصد سوى 3.95 بالمئة من الأصوات بعدد لم يتجاوز 73 ألف صوت ، مما يكشف فقدانها لتموقعها في الساحة السياسية كقوة ثالثة بالبلاد. وحسب هذه النتائج، تعتبر الجبهة الشعبية قد فقدت ثلثي خزانها الانتخابي مقارنة بالانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014، حيث بلغ عدد المصوتين لها انذاك 255 ألف صوت في الرئاسيات لصالح الناطق الرسمي باسمها حمة الهمامي. وفي خضم هذا الشأن، أكد ا ئتلاف الجبهة الشعبية، في بيان أصدره السبت، عدم الرضا عن النتائج التي حصدها في الانتخابات البلدية، مبرزا أنها نتائج لا تعكس الحجم الحقيقي لحضور الجبهة ولما ينبغي أن تكون عليه في المشهد السياسي. ولاحظت الجبهة الشعبية، في بيانها الذي أصدرته عقب انعقاد الاجتماع الدوري لمجلسها المركزي الجمعة، أن النتائج المتحصل عليها تقتضي من كافة أطر الجبهة ومناضليها وأنصارها الانكباب في الفترة القريبة القادمة على تقييم أدائها في هذه الانتخابات بكل موضوعية للوقوف عند كافة مظاهر التقصير والخلل بهدف تجاوزها في أسرع وقت ممكن استعدادا للمحطات السياسية القادمة. وقد دعا المجلس المركزي كافة أعضاء القائمات الانتخابية الفائزة بمقاعد في البلديات الى التفاعل إيجابيا في تشكيل المجالس البلدية مع القائمات المستقلة والقوى السياسية الديمقراطية، مؤكدا للمواطنين استعداد الجبهة الشعبية ومستشاريها المنتخبين لبذل كل الجهود لخدمة مصالحهم والمساهمة في الارتقاء بظروف عيشهم في مدنهم وقراهم. وبينت الجبهة الشعبية، أنها تداولت نتائج الانتخابات البلدية والظروف السياسية والاجتماعية التي تمت فيها، وتم التوقف عند أسباب عزوف العديد من المواطنين عن التصويت بسبب السياسات المنتهجة من حزبي الائتلاف الحاكم، والإخلالات الكبيرة التي ميزت آداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وشدد بيان المجلس المركزي على أن الجبهة الشعبية التي دخلت الحملة تحت شعار اليد النظيفة . ومن جهته، أكد القيادي في الجبهة الشعبية، الجيلاني الهمامي، أن الجبهة غير راضية عن نتائجها في الانتخابات البلدية رغم انها حققت نتائج مرضية في بعض الدوائر التي ترشحت فيها. وأضاف الهمامي ان الجبهة الشعبية لم تبرز مشروعا متكاملا يجذب الناخب بل ظلت في حالة دفاعية وانتقاد للمنظومة الحاكمة اضافة الى أنها لم تتقدم بقائمات في جميع الدوائر البلدية. وأعرب، في سياق متصل، عن قلقه من إعادة التصويت للأحزاب الحاكمة بعد تجربة دامت 8 سنوات من الائتلافات معتبرا أن المخزون الانتخابي للأحزاب كان الحاسم في الانتخابات البلدية. بدوره، لفت عضو المجلس المركزي للجبهة الشعبية زهير حمدي، إلى أنه كان بإمكان الجبهة تحقيق نتائج أفضل، لكنها لم تتمكن من ذلك جرّاء عدّة أخطاء تتطلب التقييم والمراجعة. وأقر حمدي، بوجود واقع موضوعي صعّب مهمّة الجبهة الشعبية، تمثّل أساسا في عدم التكافؤ بين الأحزاب من حيث الإمكانيات واستخدام أجهزة الدولة والمال السياسي وخرق قواعد القانون الإنتخابي، فضلا عن إرتكاب بعضها لإخلالات وتجاوزات جسيمة، لم تتخذ هيئة الإنتخابات أي إجراء في شأنها. وأفاد فيما يتصل بالأسباب الموضوعية التي تتعلق بالجبهة الشعبية، بأنها تتمثل أولا في الجانب الهيكلي، الذي بات يتطلّب الإصلاح لتنظيم العمل وتحسين إستراتيجية التواصل وأسلوب التعاطي مع الشأن العام، وتتمثل ثانيا في خيارها المتعلّق بالمشاركة في الإستحقاق البلدي. وإعتبر في هذا الصدد، أنّ الجبهة قد ارتكبت خطأ عبر الإكتفاء بالمشاركة في 120 دائرة إنتخابية، رغم انّه كان بإمكانها تعزيز مشاركتها في 250 أو 300 دائرة، فضلا عن ضبط قائماتها دون الإنفتاح على المستقلين. ولاحظ أنّ هذه الأخطاء عزّزتها صعوبة العمل الجبهوي الذي كان له انعكاسات على نسبة المشاركة والتصويت لفائدة الجبهة الشعبية، معتبرا أنّ مكونات الجبهة لا يمكنها أن تكون منسجمة بنسبة 100 بالمائة، وهو ما يتطلّب البحث عن الطرق والآليات الكفيلة بتحسين أدائها وتحقيق الانسجام بين مكوناتها بعيدا عن الرؤيا الحزبية الضيّقة. وصرح حمدي، بأن الجبهة ستقوم بعملية النقد الذاتي والموضوعي قصد معالجة الإخلالات الجوهرية، وانّ إجتماع مجلسها المركزي الجمعة المنقضي اندرج في هذا الإطار من أجل الخروج بنتائج في هذا الجانب، مؤكدا أنّ قيادة الجبهة تتحمّل مسؤولية نتيجة الإنتخابات التي لا تليق بها والتي كان بإمكانها أن تكون أفضل. ومن جانبه، اعترف القيادي بالجبهة الشعبية لطفي بن عيسي بوجود العديد من النقائص لا بدّ من تداركها في العديد من المستويات الهيكلية. وحمّل لطفي بن عيسى مسؤولية الفشل في الانتخابات المحلية للعديد من أنصار الجبهة الذين وصفهم ب"أنصار الديكور" باعتبار أنهم لم يتجنّدوا في الحملة الانتخابية لإقناع الناخبين بمشروع الجبهة الوطني. ودعا جميع قادة الجبهة إلى وجوب طرح كل هذه الملفات على الطاولة، قائلا "دقّت ساعة الفرز وتطهير الجبهة ممن لا يستحقون الانتماء إليها". و شن عدد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فايسبوك حملة سخرية من النتائج الهزيلة التي أحرزتها الجبهة في سباق البلديات. وانتقدوا الدعوات المتواترة لقيادات الجبهة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة طارحين الجبهة الشعبية كبديل سياسي، والحال أنها عجزت عن حشد الصفوف في سباق البلديات.