ما انفكت توجه أصابع الاتهام واللوم الى كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية ،ممثلة في رئاسة الجمهورية، حول التسبب في تعطيل مسار الانتقال الديمقراطي وذلك بسبب التلكؤ في النظر في عديد الملفات الحارقة وذات الأولوية القصوى وترحيلها إلى آجال غير مسماة ، لعل أبرزها ملف إرساء المحكمة الدستورية التي خلق تعطيلها الكثير من الجدل على الساحة السياسية والحقوقية نظرا لأهمية هذه الهيئة في استكمال مسار الانتقال الديمقراطي الذي تمضي تونس قدما في تحقيقه.. و قد مر أكثر من أربع سنوات على إقرار إحداثها في دستور 2014 ، ومع ذلك مازالت أزمة المحكمة الدستورية تراوح مكانها ولم يقع حلها بعد و بقيت رهينة اتفاق الكتل البرلمانيّة. و قد شهدت جلسة الاستماع المخصصة لوزير العدل غازي الجريبي، الخميس 17 ماي 2018، صلب لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب ، توترا كبيرا بسبب مناقشة مشروع قانون أساسي يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية. و اعتبر وزير العدل غازي الجريبي أن قانون المحكمة الدستورية الحالي تضمن تناقضا كبيرا باعتباره اشترط في أعضائها الاستقلالية والحياد السياسي في المقابل خول للكتل النيابية ترشيح أعضائها. وأضاف أن اشتراط انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية بأغلبية الثلثين وصل بمسار تركيز المحكمة إلى مأزق كبير بالنظر إلى أن المجلس لم يوفق في استكمال انتخاب الأعضاء الأربعة الواجب انتخابهم طيلة 3 دورات انتخابية متتالية ولم يتم انتخاب سوى عضو واحد. وبخصوص التنقيح أوضح أنه احتراما للمسار الحالي واستنفاذا لكافة الآجال التي ينص عليها القانون الحالي تم فتح باب الترشح مجددا لأعضاء جدد على أن يتم انتخابهم بأغلبية الثلثين، غير أن مشروع التنقيح وتحسبا من مأزق جديد نزل بالأغلبية إلى 50 زائد 1 من أجل تجاوز العراقيل وتركيز المحكمة الدستورية معبرا عن انفتاحه على كافة المقترحات المقدمة من قبل النواب شرط العمل على ارساء المحكمة الدستورية في قرب وقت. يذكر أن الفصل 148 من الدستور في مطته الخامسة ينص على أنه "يتم في أجل أقصاه 6 أشهر من تاريخ الانتخابات التشريعية ارساء المجلس الأعلى للقضاء وفي أجل أقصاه سنة من هذه الانتخابات ارساء المحكمة الدستورية" مع العلم أن الانتخابات التشريعية تم تنظيمها في 2014. وكان مكتب البرلمان قرر في اجتماعه امس الاربعاء إحالة عدد من مشاريع القوانين على اللجان المعنية، من بينها إحالة مشروع قانون أساسي يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 03 ديسمبر 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية إلى لجنة التشريع العام. وكان مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 9 ماي 2018، بقصر قرطاج بإشراف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قد صادق على مشروع القانون الأساسي المتعلق بتنقيح القانون الأساسي للمحكمة الدستورية. وفشل نواب البرلمان في 21 مارس الماضي للمرة الثالثة على التوالي في انتخاب الأعضاء الثلاثة للمحكمة الدستورية، من أصل أربعة أعضاء بعد أن تم انتخاب المترشحة روضة الورسيغني بأغلبية 150 صوتا في جلسة عامة سابقة. يذكر أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي كان قد دعا إلى تنقيح القانون المذكور في خطابه يوم 20 مارس 2018 بعد فشل مجلس نواب الشعب في انتخاب 3 أعضاء للمحكمة الدستورية بسبب حاجز الاغلبية المعززة (145 صوتا )، الذي بينت الدورات الانتخابية صعوبة تحصيلها بسبب هشاشة التوافقات في البرلمان علما أنه تم انتخاب عضو فقط هي مرشحة نداء تونس روضة الورسغيني. ويشار الى انه تم فتح باب الترشحات لعضوية المحكمة الدستورية بداية من يوم 14 ماي الى غاية 25 ماي 2018 لتقديم الكتل مرشحيها وملفاتهم على أن تقدم لجنة الفرز نتائج الفرز الى مكتب البرلمان يوم 31 ماي ليحدد تاريخا لجلسة عامة لانتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية.