مازال جدل تعطيل إرساء المحكمة الدستورية مستتبّا على الساحة السياسية والحقوقية نظرا لأهمية هذه الهيئة في استكمال مسار الانتقال الديمقراطي الذي تمضي تونس قدما في تحقيقه ، و قد مر أكثر من أربع سنوات على إقرار إحداثها في دستور 2014 ، ومع ذلك مازالت أزمة المحكمة الدستورية تراوح مكانها ولم يقع حلها بعد و بقيت رهينة اتفاق الكتل البرلمانيّة… و بعد فشل السلطة التشريعية في انتخاب اعضاء المحكمة الدستورية للمرة الثالثة على التوالي بسبب مشاكل افتعلتها أطراف سياسية ، دخلت السلطة التنفيذية على الخط. وفي هذا الصدد، أكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد الخميس 22 مارس 2018 إثر لقائه برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إنه "تم البدء في صياغة مشروع قانون أساسي لتغيير الأغلبيّة المستوجبة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية إثر اخفاق جلسة مجلس نواب الشعب يوم أمس الاربعاء 21 مارس 2018 في إستكمال انتخاب الأعضاء الأربعة للمحكمة". يُذكر أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي كان قد أعلن يوم 20 مارس الجاري في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الاحتفال بالذكرى 62 للاستقلال أنّه سيطلب من وزير العدل غازي الجريبي التدخّل تماما كما حدث خلال أزمة إرساء المجلس الأعلى للقضاء في إشارة الى تنقيح القانون الأساسي للمحكمة الدستورية. وقال قائد السبسي في خطابه "في حال فشل انتخاب أعضاء المحكمة سيتم التنسيق مع وزارة العدل وإضفاء تغيير على القانون لأن الحصول على 145 صوتا صعب جدّا ومن الأجدر الاكتفاء بالأغلبيّة المطلقة (109 أصوات)". وقد فشلت لجنة التوافقات بمجلس نواب الشعب مجددا في التوافق حول الأسماء المترشحة لعضوية المحكمة الدستورية وذلك قبل الانطلاق في الدورة الانتخابية الثالثة المقررة الاربعاء 21 مارس 2018. وقد أكد النائب غازي الشواشي أن عددا من الكتل على رأسهم كتلة الحرة تراجعوا على ما تم الاتفاق عليه مؤخرا و طالبوا بإعادة النقاش و المفاوضات و هو ما اعتبره عدد اخر من النواب مضيعة للوقت، وفق ما أفادت به مبعوثة نسمة بالبرلمان. كما أضاف الشواشي أنه من الضروري توفر ضمانات لاحترام بنود الإتفاق، مرجحا تاجيل هذه الدورة الإنتخابية إلى موعد لاحق خاصة أن مصيرها سيكون الفشل بسبب غياب التوافق. وأكد النائب عن الكتلة الديمقراطية غازي الشواشي،الأربعاء، إلى مقر البرلمان تعطيل كتلة الحرة لعملية أنتخاب اعضاء المحكمة الدستورية. وأفاد أن كتلة الحرة تعطل التوافق في إجتماع رؤساء الكتل، مبينا انها تطرح إعادة توافق من جديد حول الأشخاص، وفق تعبيره. و اتهم النائب عن كتلة الحرة لحركة مشروع تونس الصحبي بن فرج في تصريح ل"الصباح نيوز"، الكتلة الديمقراطية بتعطيل انتخاب بقية الأعضاء الأربعة للمحكمة الدستورية. ويأتي كلام بن فرج ردا على اتهامات النائب غازي الشواشي الذي اتهم كتلة "الحرة" لحركة مشروع تونس بتعطيل التوافق على بقية الأسماء. وأشار بن فرج إلى ان اتهامات الشواشي تأتي في إطار "مزايدات". ومن جانبه، أكد النائب عن حركة مشروع تونس حسونة الناصفي في تصريح ل"الشاهد:، أن كتلة الحرة قاطعت اجتماع رؤساء الكتل الذي انعقد الاربعاء 21 مارس 2018، والمخصص للاتفاق حول انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية. وشدد الناصفي أن الحركة ترفض بشدة دعم المرشح العياشي الهمامي، واشترطت أن لا يكون ضمن الاعضاء الذين ستتفق حولهم الكتل البرلمانية. وندد محدث "الشاهد" بالاتهامات الموجهة لكتلته بعرقلة التوافقات وتعطيل الحسم في مسألة انتخاب المحكمة الدستورية، مشيرا الى أن من يتمسكون بمرشح واحد لدعمه والتوافق حوله، هم من يعطلون التوافقات حسب تعبيره. ويشترط قانون المحكمة الدستورية، الصادر في 2015، أن ينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بأغلبية الثلثين من أعضائه. وبحسب القانون، في حال لم يحظ العدد الكافي من المرشحين بالأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يتم الإعلان عن قبول ملفات الترشح من جديد لاستكمال الأعضاء المنقوصين. وتعرض مجلس نواب الشعب في تونس لموجة انتقاد جديدة بسبب تأخره في تركيز المحكمة الدستورية، رغم انقضاء الأجل الدستوري الموجب لتنصيب المحكمة. و قد عمّت حالة من انعدام الثقة بين الكتل البرلمانية عقب الفشل، مرة أخرى ، في اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، بسبب تراجع الكتل البرلمانية عن تعهداتها. وعلى الرغم من أن الدستور التونسي نص على أنه يجب إرساء هذه الهيئة خلال سنة من تاريخ الانتخابات التشريعية، التي أجريت في أكتوبر عام 2014، إلا أن البرلمان عجز عن إرسائها. ويرى مراقبون أن التجاذب الحزبي وحالة التأزم السياسي لعبا دورا في عرقلة عملية إرساء مؤسسة توكل إليها مهمة حماية المسار الانتقالي بالبلاد. كما يعود سبب تأخر حسم مسألة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية إلى ظاهرة تغيب نواب البرلمان عن الجلسات العامة وعن اجتماعات اللجان البرلمانية، وهو ما عطل أيضا العديد من التزامات مجلس نواب الشعب.