تعاني المرأة في أغلب الشعوب من عنف مسلّط عليها وهو من أخطر المشكلات التي تعاني منها أغلب المجتمعات على غرار المجتمع التونسي حيث نجد أن نسبة مهمة من النساء التونسيات تعرضن للعنف بمختلف أنواعه. وتتمثل أهم أنواع العنف في العنف الجسدي واللفظي والنفسي والجنسي والاقتصادي كما تتنوع أشكاله بين الضرب والاغتصاب والزواج بالاكراه والقتل والتحرش الجنسي والاكراه على الدعارة والتفوه بالكلام البذيئ والاستغلال الاقتصادي وتشغيل القاصرات وغيرها من الأشكال. وحسب الاحصائيات فقد تم تسجيل 38 ألف قضية عنف زوجي بين 2011 و2015 حيث تعرضت 53 بالمائة من النساء الى أحد أنواع العنف خلال هذه الفترة وهي تتوزع كالاتي 78.1 تعرضن الى العنف النفسي و 74.4 تعرضن الى العنف الجنسي و 41.2 بالمائة تعرضن الى العنف الجسدي فيما تعرضت 78 بالمائة منهن الى العنف الاقتصادي هذا وتعرضت 60 بالمائة من النساء الى العنف المنزلي. كما ظهر نوع اخر من العنف في تونس خاصة بعد الثورة وهو العنف السياسي والذي يقوم على اقصاء المرأة من تولي أية مناصب سياسية أو قيادية في الدولة و استهداف النساء في الفضاء العام والفضاء السياسي ومحاولات للحد من وجود المرأة بتلك الفضاءات .حيث نجد أن نسبة النساء النائبات في مجلس النواب تقدر ب30.8 بالمائة فيما نجد أن نسبة تواجد المرأة في الحكومة تبلغ 19.5 بالمائة. وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للنساء ضحايا العنف نجد أن أكبر نسبة من النساء اللواتي تعرضن للعنف النفسي توجد في ولاية توزر ب95.5 بالمائة فيما توجد أكبر نسبة من النساء اللواتي تعرضن للعنف الجسدي في ولاية سوسة ب62 بالمائة وتوجد أكبر نسبة من النساء اللواتي تعرضن الى العنف الجنسي في ولاية قبلي ب89 بالمائة. وحسب دراسة قام بها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والاعلام حول المراة الكريديف بينت أن 53.5 بالمائة من النساء يتعرضن الى العنف في الفضاء العام كما بينت ان 95 بالمائة من النساء يرفضن رفع دعوى ضد المعنف بحجة ان ذلك يعرضهن للحرج لأنه يمس من صورتهن وقد يتسبب لهن في مشاكل مع العائلة. وقد بين الكريديف كذلك أن العنف ضد المرأة قد سجل ارتفاعا تجاوز 4.1 بالمائة خلال السبع سنوات الفارطة. وفيما يتعلق بالعنف الاقتصادي اظهرت دراسة قام بها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن المرأة التونسية تتقاضى أجرا يقل عن أجر الرجل بمعدل 14.6 بالمائة كما بينت الدراسة معاناة النساء الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي من خلال تعرضهن للكثير من حوادث السير مقابل استغلالهن بأجور زهيدة. كما بينت الأرقام أن النسبة العامة لبطالة المرأة في تونس تقدر ب22 بالمائة وتصل أحيانا الى 50 بالمائة في بعض الجهات كما نجد أن 40 بالمائة من النساء المتحصلات على شهائد جامعية يعانين من البطالة. وفي هذا الصدد تولت وزارة المرأة والأسرة والطفولة مؤخرا احداث 6 مراكز استقبال وايواء للنساء ضحايا العنف في 6 ولايات وهي جندوبةوتونس والقيروان وصفاقس وقفصة ومدنين بالاشتراك مع جمعيات محلية وتختص هذه المراكز في ايواء النساء المعنفات وتقديم الدعم النفسي لهن اضافة الى ارشادهن وتقديم كل التوجيهات الضرورية. هذا وقامت الوزارة بوضع خط أخضر مجاني للاشعار عن حالات العنف ضد المرأة. كما تم كذلك وفي اطار مكافحة العنف المسلط على النساء احداث جهاز أمني في جميع الولايات يختص في البحث في جرائم العنف المسلط على المرأة والطفل بمختلف أشكاله حيث تم تركيز 126 وحدة مختصة تنقسم الى 70 وحدة فرعية في سلك الأمن و54 وحدة فرعية في سلك الحرس الوطني بالاضافة الى احداث وحدتين مختصتين على المستوى المركزي تحمل اسم الفرقة المركزية للبحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل. وصادق مجلس نواب الشعب يوم 26 جويلية 2017 على القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة والذي دخل حيز التنفيذ منذ 15 فيفري 2018 وذلك ب146 صوتا دون احتفاظ أو اعتراض. ويعتبر هذا القانون شاملا لأنه يتعرض لجميع أنواع العنف وقام بجمع كافة النصوص القانونية المتفرقة والجزئية في نص قانوني واحد .كما انه لم يكتفي بالنصوص القانونية الزجرية بل وسع دائرة تدخل الدولة في هذا الصدد وحملها مسؤولية توفير جميع أساليب الوقاية من العنف وألزمها بالعمل على بث قيم المساواة ونبذ التمييز داخل مختلف الأوساط سواء في المدرسة أو العمل أو الشارع أو داخل المحيط الأسري. ويعتبر هذا القانون حسب رأي الحقوقيين مكسبا وهو أكثر صرامة من الناحية الجزائية مقارنة بما هو موجود في المجلة الجزائية والذي كان يسمح على سبيل المثال للشخص المعتدي بالزواج من المغتصبة التي يكون عمرها دون السن القانونية مع اعفائه من جميع التتبعات العدلية حيث سمح هذا القانون الجديد باسقاط حق تزويج المغتصب بضحيته وقام بتشديد العقوبات في قضايا الاغتصاب. ويشمل هذا القانون أيضا التهديد بالاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات سواء في الحياة العامة أو الخاصة.كما انه يتضمن أحكاما جنائية جديدة ويزيد العقوبات المفروضة على مختلف أشكال العنف عند ارتكابها داخل الأسرة. كما يجرم التحرش الجنسي في الأماكن العامة من خلال فرض عقوبات وخطايا على المتحرشين اضافة الى تغريم أصحاب العمل الذين يقومون عمدا بالتمييز ضد النساء في الأجور. ايضا يتضمن قانون القضاء العنف ضد المراة تدابير وقائية مثل توجيه وزارة الصحة بوضع برامج لتدريب الطواقم الطبية على كيفية كشف وتقييم ومنع العنف ضد النساء. هذا ويتضمن التزامات بمساعدة الناجيات من العنف الأسري على غرار تقديم الدعم القانوني والطبي و الدعم المتعلق بالصحة العقلية والنفسية. كما يدعو القانون الى انشاء وحدات للعنف الاسري داخل قوات الأمن الداخلي وتعيين وكيل جمهورية مساعد في كل ولاية لمعالجة هذه الشكاوى. وهو يشترط على السلطات احالة النساء الى الملاجئ اذا كن في امس الحاجة اليها. ويجرم العنف الاسري ضد المراة بما في ذلك جريمة الاغتصاب من قبل الزوج. ويتضمن هذا القانون في أحد فصوله تجريم العنف السياسي لتصبح بذلك تونس أول بلد عربي وافريقي سن تشريعا حول جرائم العنف السياسي المسلط على المراة. لكن ورغم كل هذه المزايا والنصوص الثورية التي تضمنها هذا القانون الجديد الا ان هناك عديد الانتقادات التي تندد بوجود فجوة قائمة بين النص القانوني والتطبيق الفعلي له حيث ان هناك عديد المؤاخذات بشان عدم تحرك الحكومة والجهاز التنفيذي لتفعيل هذا القانون مع ضعف الموارد البشرية المؤهلة وضعف الاليات الحكومية المتوفرة لتغطية مختلف جهات الجمهورية خاصة في مجال الاستقبال والايواء للنساء المعنفات .