أمام متغيّرات المشهد السياسي المتقلب الذي تعيش على وقعه البلاد، تبدو الرؤية حول خفايا المرحلة القادمة من مستجداتٍ ضبابيةٌ نوعًا ما، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام التأويلات والفرضيات حول الأحداث التي من المتوقع أن تشهدها الساحة السياسية. و لعلّ الحديث عن وضع الحزب الحاكم وما بات يطوّقه من عدم استقرار و فوران صلب بيته الدّاخلي، أضحى من أبرز المواضيع التي تتصدر الواجهة، سيّما وأن ماشهده الحزب من ارتجاج ألقى بظلاله على الوضع العام للبلاد، و تحول من شأن حزبي داخلي إلى شأن وطني، وهو ما سلط عليه الضوء رئيس الحكومة، المنتمي إلى حزب نداء تونس، يوسف الشاهد. جدلية الفرقعة التي يعيشها الحزب، والتي لا تعدّ بالمسألة المستجدّة طالما أنه يعيش حالة انشقاق و تفرّع منذ منتصف عام 2015، جعلت مسألة إعادة لملمة شتات الحزب ضرورة حتمية لابدّ منها اليوم قبل الغد، لا سيّما وأنه لم يعد يفصلنا عن المعركة الانتخابية التشريعية ل2019 سوى سنة ونيف. الحديث عن مساعي حزبية ندائية لإعادة لمّ شمل الندائيين المتفرّقين من جديد انطلق منذ فترة تحت إشراف المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي، إلا أن الرياح لم تسر كما تشتهي سفنه وظلت مبادرته معلقة إلى أجل غير مسمى، ليأتي بعد ذلك خطاب يوسف الشاهد ويزيح الستار عن عديد الخفايا، وإن كانت معلومة مسبقا، لعلّ أبرزها وقوف الحزب فوق أرضية رملية متحركة و قابليته للانهيار في أي لحظة متوقعة وغير متوقعة. ولئن باءت مساعي السبسي الإبن بالفشل، أو ربّما قدّر لها بالتوقف بشكل وقتي، فإن السبسي الأب باعتباره المؤسس الأول للحزب حزّت في نفسه مشاهدة كيانه الحزبي في طريقه نحو الانهيار، الأمر الذي دفعه إلى الدخول على الخط من أجل الحيلولة دون ذلك واجتثاث الحزب من شفر الهاوية ، رفقة عدد من كبار القياديين الذين سبق لهم أن استقالوا من النداء. ويعمل الباجي قائد السبسي على التصدي لانقسام جديد متوقع صلب نداء تونس، وذلك من خلال الخوض في مبادرة لإعادة ترتيب أوضاعه الداخلية ومحاولة استمالة عدد من المستقيلين للعودة إلى خيمة النداء. و في خضم هذا الشأن، أكد القيادي المؤسس والمستقيل من حزب نداء تونس عبدالستار المسعودي أنه التقى مؤخرا الباجي قائد السبسي وتحدّث معه حول وضع نداء تونس، مشيرا إلى أن الرئيس لا يرى أي مانع في عودة القيادات المستقيلة إلى الحزب. وتابع المسعودي في تصريح لصحيفة العرب اللندنية "سننتزع الحزب في قادم الأيام من قياداته الحالية التي عبثت به وأضعفته وشوّهت صورته". ولفت القيادي المستقيل من النداء إلى أن كل القيادات ستتفق على أرضية مشتركة ومن ثمة ستنظر في ذلك إما عبر طرد المتطفلين بشرعية الانتماء والتأسيس وإما عبر تنظيم مؤتمر انتخابي لا يتحكم فيه حافظ قائد السبسي الذي سيتم تجريده من كافة الصلاحيات، وفق تعبيره. وشدّد المسعودي على أن المشاورات جارية مع كل المستقيلين وفي مقدمتهم الأمين العام للاتحاد المغاربي ووزير الخارجية الأسبق الطيب البكوش. وشاطره الرأي في ذلك القيادي المؤسس والمستقبل من نداء تونس لزهر العكرمي الذي أكد أن الطرح الذي يخوضونه لم يعد مجرد فكرة بل وقع تطويعها على أرض الواقع. و أوضح أن هناك حوارات مكثّفة بين القيادات المستقيلة الوازنة التي وضعت برفقة الباجي السبسي اللبنات الأولى للنداء للبحث عن منهجية عمل مشتركة تمكّنهم من استعادة مكانة ودور حزبهم ، وفق تقديره. وحول علاقة الرئيس المؤسس للحزب الباجي قائد السبسي بهذه المساعي، أكد العكرمي أن السبسي أصبح منذ توليه رئاسة البلاد رئيسا لكل التونسيين، مؤكدا أنه لن يمانع في إعادة القوة إلى الحزب حتى وإن كان ذلك على حساب مصالحه الخاصة. مساعي المستقيلين من الحزب لإعادته إلى سابق عهده، و إن كانت جدية وتنمّ عن نية لملمة الشمل وإعادة ترتيب البيت الداخلي بما تقتضيه المرحلة، فإنها لن تكون بالسهولة التي تسمح بقلب الموازين وإعادة خلط الأوراق من جديد، سيما وأن قيادة الحزب في الوقت الراهن بين يدي السبسي الإبن، الذي يجمع أغلب الندائيين على تفرده بالرأي صلب الحزب، من جهة، فضلا عن أن أغلب الذين استقالوا من النداء شقوا طريقهم في الحياة السياسية وأسسوا وانخرطوا في أحزاب جديدة، مما يصعّب فرضية عودتهم إلى النداء.