لم تكن الإنتخابات البلديّة الأولى من نوعها في تونس في ظلّ الدستور الديمقراطي الجديد للبلاد مرحلة تنطلق فيها التجربة التونسيّة نحو خطوات أخرى لتكريس الديمقراطية المحلية وسلطة الشعب وخاصة القطع مع المركزية والتهميش فحسب بل وكانت نقطة مهمّة يمكن من خلالها الولوج إلى عديد المعطيات والإستنتاجات المتعلّقة بالتوازنات السياسية في البلاد برمّتها بالإضافة إلى أشياء أخرى كثيرة. كما كان متوقّعا من كثير من المحللين والمتابعين منيت أغلب مكونات المعارضة التونسية بهزيمة قاسية خاصّة الجبهة الشعبية التي عجزت عن المشاركة في نحو نصف الدوائر البلديّة لتكون نتائجها في النهاية ضعيفة جدّا مقارنة بالحجم الذي تسوقه لنفسها إعلاميا وسياسيّا وكذا مقارنة بما يصدر عن قيادات الجبهة من خطاب باسم "الشعب"، هزيمة قاسية لا يبدو أنها ستمرّ دون إثارة نقاط إستفهام من داخل البيت "الجبهاوي" نفسه. في السنوات الثلاثة الأخيرة طفت على السطح خلافات واضحة بين كثير من مكونات الجبهة الشعبية خاصّة تلك التي جدّت بين أبرز مكونين لها وهما حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد خصوصا فيما يتعلّق بتقييم الخط السياسي والتداول على منصب الناطق الرسمي، كما أن الخلافات تجاوزت إلى أبعد من ذلك عندما إعتبر النائب منجي الرحوي خطاب حمة الهمامي في حاجة إلى مراجعات كثيرة وقبله إتهم آخرون حمّة بالإنفراد بالرأي. النائب منجي الرحوي كان أول من أثار ضرورة دخول الجبهة الشعبية في تقييم شامل واعتبر في تصريحات أثارت جدلا حادا وجاءت بعد تشكيل حكومة يوسف الشاهد وما قيل عن ترشيحه لحقيبة وزارية، ان خطاب الناطق الرسمي حمة الهمامي لم يعد مقنعا وان ذلك يتطلب التغيير والبحث عن قيادة جديدة. بعد أن كانت مجرّد تسريبات في الأسابيع الأخيرة التي تلت الإنتخابات البلديّة التي جرت بتاريخ 6 ماي الفارط، باتت الجلسات السريّة التي يعقدها مجلس أمناء الجبهة الشعبية أمرا معلوما كما ورد على لسان محسن النابتي القيادي في التيار الشعبي وعضو مجلس الأمناء مؤكّدا أن الجبهة ستخرج إلى الرأي العام إبان الإنتهاء من التقييم الداخلي بما توصلت إليه. مطلب التقييم والمراجعات مطلوب بقوّة في المشهد التونسي من جميع مكونات الساحة الحزبية خاصّة الأطراف الإيديولوجيّة الكبرى وعلى رأسها العائلة اليساريّة التي جعلت نفسها عرضة لإنتقادات واسعة في كثير من المواضع والمواقف على عكس الإسلاميين الذي تمكّنوا بشهادة الداخل والخارج من إستيعاب اللحظة الجديدة ومن إجراء جراحة دقيقة مكّنتهم من البقاء كطرف هو الأقوى والأكبر حسب نتائج الإنتخابات البلدية الأخيرة. بقطع النظر عمّا ستؤول إليه الجلسات السرية التي يعقدها مجلس أمناء الجبهة الشعبيّة لإجراء تقييم شامل فإنّ هناك إجماعا تونسيّا على الحاجة لطرف يساري وطني في المشهد الحزبي يتجاوز الصراعات الإيديولوجيّة ويكون شريكا في التأسيس لديمقراطيّة صلبة يكون فيها التداول على السلطة سلميّا، أمّا موضوعيّا، فإنّ بعض الأخبار الواردة من الجلسات تتحدّث ربّما عن أشياء أخرى من بينها النقاش حول إنصهار الأحزاب المكونة للجبهة الشعبية في حزب واحد وهو مقترح يرفضه عدد من الحضور بشدّة.