باتت الساحة السياسية تشهد مؤخرا ما وصفه مراقبون ب"الهبوط" في مستوى الاتّصالي للسياسيين من خلال استعمال خطابات شعبوية وسوقية لا ترتقِ إلى مستوى مناصبهم.. ورغم مضي أكثر من 7 سنوات على ثورة 2011, فإن المنهج الاتصالي للسياسيين لم يتغير ولم يتحسن. وعلى سبيل الذكر لا الحصر ، يرى متابعو الشأن السياسي أنه تحت قبة باردو يغيب الحوار الجاد والصريح الذي يتطرق إلى القضايا الحارقة ليسود في المقابل الانفعال والتشنج و تبادل الشتائم والتهم في خرق واضح للقانون الداخلي لمجلس النواب. و بات تشنج الخطاب السياسي و شد الحبال بين النواب الممثلين للكتل البرلمانية سمة و عنوانا للمشهد النيابي ، اذ اثبت بعض الحوادث في مجلس نواب الشعب مدى نزول بعض السياسيين الى مستوى الشعبوية الذي يصل حد البلطجة السياسية، خاصة أن عدة جلسات عامة بمجلس نواب الشعب شهدت أجواء مشحونة رافقتها خلافات بين أعضاء البرلمان وصلت أحيانا حد تبادل الاتهامات والتلاسن. ولعل ما حدث أمس الاثنين تحت قبة باردو خير مثال على ذلك، جيث قرر نائب رئيس مجلس النواب عبد الفتاح مورو، رفع الجلسة العامة المخصصة لطرح اسئلة شفاهية لوزير الشؤون الاجتماعية بعد نشوب خلاف بين رئيس الجلسة والنائب عماد اولاد جبريل على خلفية عدم ادارج سؤال هذا الأخير ضمن قائمة الأسئلة المطروحة. وأفاد رئيس الجلسة عبد الفتاح مورو أن تعطل انعقاد الجلسة سببه احتجاج النائب عماد أولاد جبريل وتشويشه على سير الجلسة. وأكد مورو أن أولاد جبريل قدم سؤاله يوم الجمعة الماضي ولم يصل إلى مكتب الوزير إلا صبيحة انعقاد الجلسة العامة اليوم الاثنين في حين ينص النظام الداخلي على أن يتم عقد الجلسة العامة المخصصة لطرح أسئلة شفاهية بعد 15يوما من تقديمها. وفي المقابل عبر أولاد جبريل عن استغرابه من عدم برمجة سؤاله ضمن قائمة الأسئلة المطروحة على وزير الشؤون الاجتماعية التي أعلن عنها نائب رئيس المجلس في مستهل الجلسة العامة، متهما مورو بالتعسف عليه ورئاسة مجلس النواب بالتواطؤ لحذف سؤاله. وتسبب الجدال بين الطرفين، في التشويش على سير الجلسة التي تعطلت في مناسبتين مما حدا بمورو إلى مطالبة عماد أولاد جبريل بمغادرة الجلسة داعيا أعوان المجلس إلى إخراجه غير أن هذا الأخير تمسك بما اعتبره حقه في طرح سؤاله على وزير الشؤون الاجتماعية. (فيديو) وقبل هذه الواقعة بأيام قليلة، أثارت عضو مجلس نواب الشعب سامية عبو جدلاً كبيراً بعدما اتهمت وزير التربية حاتم بن سالم بالتورط بالفساد داخل الوزارة، ودخلت عبو في تراشق كبير مع بن سالم، حيث انتقدت لجوء إلى تعيين أحد الموظفين (نور الدين بن رجب) في منصب أمين عام للوزارة رغم صدور حكم في حقه بالسجن لأربع سنوات بتهم تتعلق بالفساد، مشيرة إلى أن المسؤول المعني هو قريب لأحد مستشاري الرئيس . ورد بن سالم بتأكيد احترامه للقانون في تعيين أمين عام للوزارة، مؤكدًا التزامه بفتح تحقيق للتأكد من صحة وجود حكم قضائي يدينه في قضايا فساد. كما اتهم عبو بالترويج لمغالطات تسيء لوزارته ولصورة الحكومة، مهددًا بمقاضاتها بتهمة التشهير. مداخلة عبو أثارت بلبلة واسعة، لاسيما بعد أن أصدرت النقابة الوطنية لمستشاري المصالح العمومية بيانًا أكدت فيه أن مداخلة البرلمانية سامية عبو حول تعيين المستشار العمومي نور الدين بن رجب، احتوت على «معطيات عارية من الصحة وعلى معلومات مسقطة ومنقوصة»، مشيرة إلى أنه استأنف الحكم الابتدائي الذي يقضي بسجنه لمدة (4) سنوات والقضاء لم يثبت إدانته حتى الآن، كما أن بن رجب «التزم بتطبيق تعليمات رئيسه المباشر». كما استنكرت النقابة «الزج بسلك مستشاري المصالح العمومية في مهاترات ومعارك سياسية خدمة لأجندات حزبية وسياسوية ضيقة»، معتبرة أن «الإداريين هم الحلقة الأضعف التى تسمح للسياسيين بتجاوز حدود اللياقة والتمادي نحو التشويه الممنهج بما يشكل سلوكًا أخلاقيًا وتحاملا واضحًا». وعادة ما تثير مداخلات سامية عبو الجدل في البرلمان، حيث سبق أن شنّت هجومًا على رئيسي البرلمان والحكومة، متهمة إياهما بتحويل البرلمان إلى «حديقة حيوانات»، كما اتهمت البرلمان ب«المتاجرة بالمرأة التونسية»، منتقدة رفض عدد من النواب تكريس مبدأ المساواة في القانون المنظم للانتخابات البلدية. واعتبرت أخيرًا أن تونس تعيش صراعًا سياسيًا داخل السلطة، مشيرة إلى أن مستقبل البلاد بات يُحدد ضمن «جلسة خمر»…