أصبح واضحا و جليا ما آل إليه اليوم وضع النخب السياسية, لقد حَكَم الصراع السياسي مفاصل الدولة والنظام, وانعكس سلبا على سير دواليب الحكم. والنتيجة أنّ الرأي العام أصبح ينظر إلى السلطة كمجرّد تدافع مصالح شخصية وحزبية يرافقه تقاذف تُهم لا يمكن أن تؤدّي في النهاية إلا إلى تعميق الجراح والانقسام وتوسيع دائرة التشرذم ومزيد من الفوضى. لم نعد نسمع من نخبنا غير الحديث عن انتخابات 2019, محطة انتخابية بعيدة عن الواقع وعن اهتمام الشعب. فهل أصبحت انتخابات 2019 الهاجس الوحيد و الهدف الأوحد؟ وهل للطموح السياسي أن يعطل مصالح العامة؟ وكيف لنخبة سياسية تقسم الشعب في كل قضية بين داعم ورافض, أن تنجح في تجميعه واقناعه؟ ما لم تستوعبه النخب السياسية أن تجارب الدول التي كرّست معادلة "المهزومين" و"المنتصرين", أنتجت انقساما اجتماعيا أعادها إلى مربّع الفقر والجهل والتخلّف. يمكن اختزال الأزمة تحت مسمى " الإخفاق السياسي " الذي رافق الطبقة السياسية منذ 2011 وعرقل مسيرة إعادة بناء الوطن والنهوض بأداء السلطة. سمعنا الكثير عن مبادئ تنظيم الدولة والسلطة لدى الغرب وعن حاجتنا للاستئناس بهذه التجربة, ولكن يبدو أنّ النخب السياسية لدينا لازالت تتعمّد الخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة أي السلطة. قد أصيبت الدولة لدينا بالوهن أمام استقواء السلطة "صراع القصبة مع قرطاج", وليس جديدا إن أضفنا وأن هذا الواقع سيغيّب الدولة إن عاجلا أو آجلا لصالح سلطة جديدة تدعمها بعض الأجهزة. حجم الاصطفاف الذي يعيشه المجتمع وراء السلطة والأحزاب والنقابات والتيارات الدينية والهيئات المستحدثة يوحي بأنّ البلاد تقف أمام مفترق طرق إما الخروج من الأزمة أو الدخول في المجهول. لا يحق لهؤلاء جميعا أن تُسخَّرَ مُقدّرات الدولة ومؤسساتها لخدمة "أجنداتهم" وطموحاتهم الضيقة التي اتضحت مؤخرا, حلم 2019 , فمؤسسات الدولة يجب أن تُدار وأن تُستثمر لخدمة المواطنين ورعاية مصالح الشعب دون تأثّر بتعاقب الحكومات, فدولة المؤسّسات لا ترحل برحيل الحكومة والدولة ليست ملكا خاصا لها. هناك قصور فعلي في المنظومة السياسية لدينا على مستوى الدستور والنظام السياسي وأداء الأحزاب و الكتل البرلمانية, ويستحيل علينا الخروج من هذا المأزق من دون استعادة مفهوم الدولة وتغليب المصلحة العامة.