لا تَحتاج كثيرا من الجهد لترى بأمّ عينك مبادلات العملة الأجنبية في السوق السوداء, ولن تبتعد كثيرا عن شوارع العاصمة لتكتشف ذلك, يكف أن تمرّ في محيط "باب بحر" المتاخم لوزارة الداخلية لتسمع وشوشاتهم المفضوحة بعبارات «صرف.. صرف». عملت وزارة المالية في أكثر من مرة على ايجاد حلول تمنع التجارة السوداء للعملة ولعلّ آخرها مكاتب خاصة بتبادل العملة الأجنبية أعلنت تونس عن فتحها بعد عيد الإضحى، تعمل إلى جانب البنوك التونسية العمومية والخاصة. وتهدف هذه الخطوة لتيسير جمع النقد الأجنبي من المواطنين لمواجهة التراجع في احتياطات البلاد، حيث يغطي احتياطي النقد الأجنبي في الوقت الحالي 70 يوماً فقط من الواردات، وهي الحصيلة الأسوأ منذ عقود. وتدرك وزارة المالية التونسية أن الشبكات الموازية لتبادل العملة الأجنبية قد نشطت كثيراً خلال السنوات التي أعقبت سنة 2011، وباتت تمثل أكثر من 50 في المائة من إجمالي المعاملات المالية. ومن المنتظر أن يكون لهذه المكاتب مردود إيجابي على الجهاز البنكي والمصرفي المحلي، على أمل أن تساهم في إنعاش مخزون تونس من العملة الصعبة. وأكد أكثر من مصدر اقتصادي ومالي تونسي على سعي وزارة المالية التونسية لاستكمال الإطار القانونية الخاص بمكاتب صرف النقد الأجنبي في تونس، وتنتظر خلال هذه الفترة تخرج الدفعة الأولى من المتصرفين في هذه المكاتب (نحو 36 متصرفاً)، على أن تشرع تلك المكاتب في العمل الفعلي خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وفي هذا الشأن، صرح رئيس الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية التونسية، أن كلاً من وزارة المالية والبنك المركزي التونسي سيشرفان على هذه العملية، وستكون هذه المكاتب على ارتباط مباشر بالبنوك، وهي التي ستستقبل مباشرة فوائض تلك المكاتب من العملة الأجنبية. وسيسمح هذا النظام الجديد في القطاع البنكي والمصرفي لأول مرة في تونس باشتغال خريجي الجامعات العليا في اختصاصات المالية في مكاتب الصرف، التي تُعنى بصرف العملات الأجنبية علاوة على العملة المحلية. ووفقاً للضوابط التونسية، في حال تجاوز حصيلة النقد الأجنبي لدى تلك المكاتب ما قيمته 500 ألف دينار تونسي (نحو 185 ألف دولار)، فإنها ستحيلها مباشرة إلى البنك المركزي، من خلال بيعها من جديد إلى الجهاز المالي المركزي. وفي هذا الشأن، قال الخبير الاقتصادي والمالي، إن تونس تأمل أن تستعيد السيطرة على سوق الصرف من خلال مكاتب الصرف الجديدة، بحيث تعود نسبة مهمة من التعاملات في النقد الأجنبي إلى السوق الرسمية، من ثم تستفيد منها الخزانة العامة للدولة.