تتنوع عادات الاستعداد والاحتفال بعيد الأضحى في تونس من ولاية إلى أخرى، إلا أن جلها تجتمع على الانسجام العام على مُستوى الموروث الثقافي، وهو ما قد ينظر إليه آخرون من بلدان عربية على أنه "عادات غريبة"… وينفرد التونسيون بجملة من العادات والطقوس، التي تختلف قليلا بين ولايات شمال البلاد وجنوبها، في بلد تعاقب عليه مشارب ثقافية وحضارية متعددة من الحفصيين والأندلسيين والعثمانيين والروم، فضلا عن الطابع الامازيغي الأصيل..
وكما هو الحال في أغلب الدول الإسلامية، فإن عيد الاضحى يمثل فُرصة لإحياء التقاليد التي لم تنجح السنوات في محوها، وظلت حاضرة تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، وتُشكّل ذاكرة المُجتمع التونسي ..
تخضيب الخروف بالحنّاء :
من بين أبرز العادات التي ينفرد بها التونسيون دون سواهم ما تقوم به العائلات بعد شراء الأضحية من تخضيب الخروف بالحنّاء، بالإضافة إلى كل أصناف الزينة التي قد يُبدعها الأطفال على غرار الشرائط الملونة التي يقومون بربطها في صوف الخروف و قرنيه ..
وفي بعض الأحياء الكثيفة سكانيا، تكون الزينة صنفا من صنوف الهوية التي تُمنح للخروف حتى يسهل تمييزه من بين خراف الحي إذا ما اختلطت الخرفان، خاصة أن فرحة العيد لا تتم دون السماح للأطفال باصطحاب الأضاحي للنّزهة، وأحيانا لحلبات "النطيح" ، حيث يتفاخر الأطفال فيما بينهم بقوة خروفه و قدرته أكثر على "النطح" .
خرجة العيد :
ومن بين العادات الرّاسخة في أحياء المدينة العتيقة في العاصمة، ما يُسمّيه الأهالي "خرجة العيد"، وهي من العادات التي منعها نظام بن علي خلال سنوات حكمه، وعادت عقب الثّورة.
وخرجة العيد، هي مسيرة يتجمع فيها المصلون نساء ورجالا، هاتفين "الله أكبر الله أكبر ولله الحمد لا إله إلا الله"، ينطلقون فيها من نقطة محدّدة، ويجوبون فيها الأزقة والأحياء بهدف دفع أكبر عدد من المُصلّين للالتحاق بهم، ليتّجهوا أفواجا نحو مكان الصّلاة.
وشهدت هذه الظّاهرة انتشارا في العديد من الولايات في تونس عقب الثورة، ليتراجع بريقها بعد منع الصلاة في المساحات المفتوحة خارج المساجد لدواعي أمنية، إلا أنها لا تزال أبرز ما يُميّز العيد في المدينة العتيقة في العاصمة.
تبخير الأطفال .. أكل الكبد نيئا .. تعليق المرارة و نثر الملح ..
ومن الطقوس المعروفة في عيد الأضحي عند بعض الأسر التونسية أن تعمد الزوجة لتلقي أولي قطرات الدم في آنية تحتفظ بها إلي أن تجف، حيث يتمّ حسب معتقداتهن تبخير الأطفال الصغار ببعض منه، لإبعاد للعين الشريرة والسحر..فيما تعمد بعض النسوة إلي غمس أيديهن بالدماء وطلائها على جدران البيت، لإبعاد عين الحسد حسب اعتقادهن.
کذلك هناك من الطقوس من يأکل کبد الکبش نيئا وغير مطبوخا خاصّة عند النساء وينصح الأطباء هؤلاء أنّه وإن فعلوا فإنّه لا يجب أن تتجاوز توقيت ربع ساعة بعد الذبح لکي لا تکون لها تأثيرات سلبيّة بينما يتجنّب العديد هذه العادة ويعتبرونها عادة سيّئة تذکّرهم بآکلة الأکباد "هند بنت عتبة" زوجة أبي سفيان عندما أکلت کبد عمّ الرسول صلي الله عليه وسلّم حمزة بن عبد المطلب في معرکة أحد.
کذلك من العادات والتقاليد المتوارثة تقوم بعض العائلات التونسيّة بتعليق مرارة الکبش لأنهم يعتقدون أن المرارة الممتلئة رمز لموسم خصب والعکس بالعکس.
بينما تقوم أخريات بنثر "الملح" فوق دماء الأضحية لإبعاد السوء ومسّ الجنّ والشيطان عمن يمرّ بجواره.
حجّ الخروف :
وفي ثاني أيام العيد يشرع في تقطيع الأضحية، لاختيار الأجزاء التي تصلح لتهيئ أنواع من الأکلات، ولا يتمّ تقطيع اللحم إلاّ في اليوم الثاني بعد أن يجفّ من الدماء ويعتقد کبار السنّ بأنّه لا يجب مسّ الخروف وتقطيعه في يوم العيد بل يجب ترکه ليحجّ کاملا ليلتها.
فيتمّ تعليق الکبش وشدّه بقطعة من الخيط الرفيع ليتم بعد ذلك تعريضه لأشعة الشمس ونفس العمليّة تجري في "القديد" لکن دون لفّه ،حيث يتمّ تشريح اللحم وتعليقه في حبل ليتعرّض لأشعّة الشمس مع مزجه بالتوابل، ثمّ يخزّن للطبخ لمدّة طويلة.