لم تَعد الهجرة غير النّظامية في تونس سريّة, بل أصبح الحديث عن السّبل و المنظّمين لها علنا في المقاهي والشّوارع, ولم يعد منظّموها يُخفون عن أعين الناس مِهنَتهُم, التي تبدو في الظاهر مهنة تحقيق الأحلام، أن يَحمِلو الشّباب من البطالة الى بلاد أوروبا للعمل حيث السجاد الأحمر, حسب تعبيرهم. أرقَام مُفزعة نحصدها في كلّ مرة على اثر غرق مركب لمهاجرين غير شرعيّين, من خيرة شباب الوطن, خلّفوا لعائلاتهم جثثا ولوعة وحسرة. ذاك الحلم الذي توهّموه له نهايتان لا أكثر, جثّة في عرض البحر, أو جثّة في احدى شوارع أوروبا بلا عمل ولا سند. الرّغبة في الهجرة إلى أوروبا لدى الشّباب التونسي بين 18 و35 سنة قبل الثورة كانت في حدود نسبة 37%، وخلال الأشهر الأولى من الثورة سنة 2011 انخفضت لتصل إلى نسبة 30% بسبب مناخ الحرية، لكن هذه الرغبة عادت لتسجل أرقاما مفزعة سنة 2017 بوصولها نسبة 55%, بالإضافة الى 100 ألف منقطع سنويا عن الدراسة في تونس، 56% منهم يرغبون في "الحرقة". نَشرت المُفوضيّة السّامية لشُؤون اللاّجئين بعض الأرقام عن الهجرة غير الشرعيّة في تونس, وسجّلت المفوّصية في تقريرها وصول 1357 تونسيا إلى ايطاليا في الفترة المتراوحة بين غرة جانفي وجويلية 2018. 5% من الموقوفين في محاولات الهجرة غير النظامية هم من النساء, 67% من الاشخاص الذين غادروا التراب التونسي بصفة غير نظامية تراوحت أعمارهم بين 20 و30 سنة أغلبهم من الشباب العاطل من غير الحاصلين على شهائد. نسبَة الهجرة غير النظامية حسب الولايات تؤكد أن ولاية صفاقس احتلت المرتبة الأولى لعمليات الاجتياز المحبطة في الثلاثية الثالثة لسنة 2017 وقدرت النسبة بين شهري جويلية وسبتمبر ب42% تقريبا النصف يمرون عبر قرقنة. وحسب وزارة الداخلية الإيطالية فإنّ التونسيين يحتلون المرتبة الثانية ب388 مهاجرا غير نظامي في شهر جانفي 2018. يَجدُر أن نَذكر دائما, في هذا الملف, كم حصدنا من جثث أبنائنا وفلذات أكبادنا جرّاء وهم الهجرة غير النّظامية, وكم مازلنا سنحصد ان لم نتحرّك لايجاد حلول فعليّة, لأنّ التضييق الأمني لم يجدي نفعا, فأغلب من تم احباط هجرتهم عادوا للمحاولة دون يأس مرارا وتكرارا.