ما انفكّ ملفّ الثروات الطبيعية والباطنية التي تحوزها تونس يتصدّر الواجهة ويشغل الرأي العام ، في ظلّ ما يعتبره مراقبون تغوّل الشركات الأجنبية وسيطرتها على القطاع وتسلّطها على نصيب الأسد من ثروات تونس، الأمر الذي دفع منظمات وجمعيات إلى المطالبة باستمرار بضرورة مراجعة الاتفاقيات التي وقعهتها الدولة منذ عقودٍ خلت وورطّت في تبِعاتها أجيالا.. ولعلّ ملف ثروة الملح يعدّ من أبرز الملفات التي أسالت الكثير من الحبر وأججت الرأي العام، في ظلّ استغلال شركات فرنسية للثورة التونسية بناء على اتفاقيات تعود إلى عام 1947. وعاد ملف ثروة الملح في تونس إلى تصدّر الواجهة من جديد بعد قرار إقالة وزير الطاقة خالد بن قدّور وعدد من المسؤولين صلب الوزارة إثر شبهة فساد تتعلّق بالحقل النفطيّ حلق المنزل، مما أعاد ملّف الثروات الطبيعيّة وآليات استغلالها من قبل الشركات الأجنبيّة، إلى الواجهة . ويُعدّ الملح من الثروات الطبيعية التي يطالب التونسيون بكشف حقيقة استغلالها واستحواذ فرنسا على عائداتها منذ أكثر من ستين سنة. ويضم قطاع الملاحات في تونس 6 مشغلين، وكانت الاتفاقيّة الموقعة مع شركة “كتوزال” عام 1949 بداية استغلال الملح التونسي. ويرى الخبراء إنه كان بمقدور تونس أن تحقق عائدات كبيرة، وتصنف ضمن أكبر البلدان نموا في العالم، في حال الاستغلال الأمثل لثرواتها التي تحيط شبهات فساد بإدارتها، وكذلك العقود المتعلقة باستغلالها. ويتراوح إنتاج الملح في تونس بين 1.5 مليون طن ومليوني طن سنوياً، يُخصص منها 100 ألف طن للاستهلاك المحلي. يشار إلى أن عددا من المنظمات ما فتئت تضغط على الدولة والبرلمان من أجل مراجعة اتفاقية استغلال الملاحات، وتتهم الحكومات المتعاقبة، ب”التواطؤ” مع الشركات الأجنبية، على غرار المنظمة التونسية للدفاع عن الحق في السكن اللائق وحق الإنسان في العيش الكريم، التي رفعت دعوى قضائية لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، في ديسمبر 2017 ، بهدف مقاضاة الدولة الفرنسية لاستغلالها الثروات التونسية بموجب قوانين أبرمت في عهد الحماية. وأكد رئيس المنظمة محمد منصف العلوي أنه “عملا بالمادة 47 من النظام الداخلي للمحكمة الفرنسية، ووفقا لمبادئ القانون الدولي المعترف بها عموما، فإن حق الشعوب في استغلال الثروات والموارد الطبيعية متأصّل في السيادة والحق في الكرامة والعدالة الاجتماعية وحق الشعوب في تقرير المصير”. ولفت العلوي إلى أن المبادرة تنبع من أهمية نفض الغبار عن هذه القضيّة التي تصرّ الحكومات منذ الاستقلال على بقائها من المواضيع المحظورة، ووقف إهدار الثروات الطبيعية التونسية. وتتطلع تونس مع بداية العام إلى مضاعفة صادراتها من الملح، مستغلة طلبا أوروبيا متزايدا على هذه المادة، تزامنا مع موجة الثلوج والصقيع التي تجتاح عددا من دول المتوسط.