لماذا يلجأ البعض إلى ممارسة التسول العاطفي؟ هذا السلوك الذي يمارسة شخص ما معبرا عن حبه العميق من خلال طرق فيها شىء من الضعف والذل في محاولة للسيطرة على مشاعر الآخر وجذبه إليه بكل الأساليب والحيل التي تخفي بعض أغراضه الذاتية ، ومن صور التسول العاطفي أن تحاول فتاة ما جذب شاب إليها بمطاردته عبر الهاتف أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو يقوم شاب ما بملاحقة فتاة لا تهتم به ويريد أن يسيطر على مشاعرها ويظل يتودد إليها. تروي " ليلى "حكايتها قائلة: أحببته، وقد حاولت إرضاءه بشتى الوسائل ، تخليت عن طموحي من أجله؛ فبعد حصولي على الثانوية العامة بمجموع كبير يؤهلني لدخول كلية الطب والتي كانت ولا تزال حلم حياتي، تخليت بكامل إرادتي عن حلمي والتحقت بكلية التجارة حتى لا أحمل مؤهلا أعلى منه من وجهة نظره ، وبعد تخرجي تزوجنا، ولم أكف عن العطاء. وافقت على الجلوس في المنزل حتى يتفرغ هو لبناء مستقبلنا بينما ترك لي عبء مسئولية البيت والأولاد، وبعد مرور ستة أعوام من زواجنا فوجئت به يكافئ عطائي بورقة طلاق حيث وقع في غرام أخرى" أما "سعيد" فيقول عن تجربته: منذ ارتباطنا، وطلباتها المادية لا تنتهي بدءًا من الشقة وانتهاء بالسيارة والتي لا بد أن أجددها لها في كل عام ، وإلا عشت وصلة نكد زوجية لا تحتمل،هكذا أصبح حبها لي ثمنا لما أقدمه من هدايا، ورغم يقيني من عدم حبها لي إلا أنني أعترف بعدم مقدرتي على العيش بدونها ، لذلك لا ألوم إلا نفسي الضعيفة التي رضيت بهذا الوضع المهين. أما تجربة " مي " فهي مختلفة تقول عنها " انا متزوجة منذ عشر سنوات ، والحمد لله حياتي الزوجية مستقرة ، وزوجي متفهم لطبيعتي ، وأنا أشاركه الطموح العملي، ورغبتنا في أن نعيش بمستوى معيشي جيد مع أطفالنا ، اشتغلت مؤخرا في أحد شركات الاتصالات الكبرى ، براتب كبير ، لي زميل في القسم الذي أعمل به ، كأن لا عمل له في حياته إلا مراقبتي ومطاردتي بالحديث وعبر الهاتف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ، ويكيل لي كلمات الاعجاب والحب، وهو أصغر مني سنا ، ولا أبادله أي مشاعر ،ومن كثرة ازعاجه لي ومطاردته لي تركت العمل بهذه الشركة ، حفاظا على سمعتي ومنعا من ازعاجه لي الذي من الممكن أن يدمر استقرار حياتي ". وتقول د. فاطمة خفاجي مدير مكتب شكاوى المرأة بالمجلس القومي للمرأة بالقاهرة : كثيرًا ما تأتي للمكتب زوجات عرضة لأحكام بالسجن نتيجة لتوقيعهن على شيكات بدون رصيد لضمان أزواجهن في سلع قاموا بشرائها ثم هربوا بعد ذلك لتبقى الزوجة رهينة تضحيتها من أجل إرضاء زوجها؛ فالقانون واضح وصريح في هذه المواقف. كذلك كثيرًا ما تشكو سيدات من فقدانهن لجميع حقوقهن الزوجية بكامل إرادتهن فنجد منهن من يتنازلن عن جميع حقوقهن من فقه وخلافه بل يقوم البعض بإعطاء أزواجهن كل ما يملكن من مدخرات وميراث ورثنه عن أهلهن، وذلك باسم الحب، ثم تفاجأ بنذالة الزوج بعد مرور سنوات على زواجهما فيطلقها دون سبب لتجد نفسها دون مأوى ، وفي محاولة منا للتصدي لهذه المشكلات، نقوم بتنظيم ندوات ودورات عديدة للتوعية بحقوق المرأة القانونية وتحذيرها من التنازلات باسم الحب حيث تأتي دائما بنتيجة عكسية وللأسف دائمًا تكون المرأة هي الضحية. ويعلق د. محمد عويضة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر على التسول العاطفي قائلا: علاقة الحب بين الرجل والمرأة لا بد أن تكون متبادلة بين الطرفين؛ فالعلاقة من طرف واحد ليست حبا فالتجارب والخبرات تثبت أنه في بداية العلاقة بين الزوجين يكون كل منهم قادما من بيئة وفكر ونشأة مختلفة عن الآخر. في أغلب الحالات يأتي الزوج محملا بفكرة رجل البيت فلا بد أن تسود وجهة نظره، وتدخل زوجته في دائرته وإذا اهتم بها وأظهر هذا ودخل في دائرتها أصبح بلا رأي في بيته.. لذلك نجد الزوجة في معظم الأحيان تستسلم وتحاول تسول حب زوجها لإرضائه وعادة ما يكون هذا الاستسلام ظاهريًا، فيبقى بداخلها رفض شديد، وينشأ بينهما صراع على السيادة. وعقب سنة أولى زواج يختلف الوضع خاصة إذا أنجبا ولدا فتبدأ الزوجة الوقوف مكانها لتشد زوجها ناحيتها ويومًا بعد الآخر تتحول من قاهرة إلى مقهورة.. هكذا ينشأ تسول المشاعر بين الزوجين والذي تظهر أعراضه على شكل أمراض جسدية تصيب المتسول بآلام المعدة، والقولون العصبي، الصداع، وآلام المفاصل، وقد تأتي هذه الأمراض في صور نفسية أخرى كالاكتئاب، القلق، والتوتر.. وللأسف يساعد مجتمعنا في انتشار علاقات القهر النفسي وغالبية من يعانيها من النساء؛ لهذا أحذر من الوقوع في فخ التسول العاطفي واستبداله بالعطاء كي تصل العلاقة بين الطرفين إلى بر الأمان. ويرى د. أسامة عبد المنعم أستاذ علم الاجتماع : إن تسول الحب نوع من التمثيل ، فالحب الحقيقي قائم على المساواة والشموخ فالحب ليس ضعفا بل هو منتهى القوة، فإذا تحول الحب إلى نوع من الضعف فهكذا يكون متسول الحب منافقًا كبيرًا. أما عن الطرف الآخر الذي يفرض عليه التسول فمن وجهة نظري أنه ليس أكثر من شخصية انتهازية وصولية تستغل ضعف الآخرين من أجل تحقيق مصالحهم. ويضيف : التسول العاطفي تجربة شائعة بين الشباب، وذلك عندما تقع فتاة في حب شخص ما لا يشعر بها أو يبادلها المشاعر، فتبدأ بمحاولات متعددة للفت انتباهه إليها، كأن تسأل عنه باستمرار، أو تحاول أن تتواجد في الأماكن الموجود بها، محاولة لفت انتباهه إليها، فهذا نوع من التسول العاطفي. ونصيحتي لك أن تحفظي مشاعرك بداخلك، وتضعي كرامتك فوق رأسك وتسلكي بطبيعتك المتزنة، وثقي إن كان مقدرا لك الارتباط به، فسوف يكون من اتزانك وسلوكك المعتدل، وفي رأيي أن التسول العاطفي يقضي على كل فرص الارتباط بمن تحبين.