بين الفينة و الأخرى ، تتصدر الواجهة أزمة الألبان الي ما انفكت تؤرق كاهل الفلاحين و الدولة على حدّ سواء ، في ظلّ توجّه الانتاج نحو الطفرة و أمام غياب استراتيجية حكومية فعالة تعنى بالآليات المرتبطة بالتخزين والتجميع والتجفيف والتصدير من شأنها ان تضع حدّا للمعضلات العويصة التي يتعرض اليها القطاع في فترات متواترة.. ولعلّ غياب سياسة سليمة لحوكمة انتاج البلاد من الألبان تسبّب في القطيعة بين الفلاح والمنتج وبالتالي في اختلال توازن السوق الذي بات يشكو نقصا فادحا في الحليب، ليصبح العثور على علبة حليب في إحدى المساحات الكبرى أو أحد المتاجر مهمّة شبه مستحيلة في تونس اليوم.. أزمة ، وإن كانت جذورها تعود إلى سياسات قديمة لسنوات مضت، فإن تداعياتها ما انفكت تتفاقم خلال الأسابيع الأخيرة . عضو نقابة الفلاحين عز الدين بن مصطفى أكد في تصريح اعلامي امس الأربعاء 19 سبتمبر 2018، إن مسألة الحليب باتت تمثل اشكالا كبيرا اليوم في تونس. ودعا بن مصطفى إلى ضرورة تضافر الجهود بين مختلف الأطراف من أجل الإسراع في إيجاد حلول لمسألة الحليب في تونس . كما أكد عضو نقابة الفلاحين أن لا يمكنه مواصلة انتاج الحليب بكميات كبيرة إذا لم تكن هناك علاقة بين ارتفاع الكلفة والزيادة في الأسعار . المدير العامة للجودة والتجارة الداخلية بوزارة التجارة فاتن بالهادي، أكدت من جهتها ، تزويد السوق بكميات تفوق حاجة المستهلكين اليومية من مادة الحليب، مبيّنة أنه تم الترفيع في كمية الحليب في السوق بحوالي 250 ألف لتر، لتبلغ يوميا مليون و900 لتر، في حين تقدر حاجة المستهلكين بحوالي مليون و700 لتر. كما كشفت أن النقص المسجل في الحليب يعود إلى لهفة المواطنين خاصة تزامنا مع العودة المدرسية، وإلى الاستعمال المهني لهذه المادة وكذلك الاحتكار، وفق تقديرها. وكان وزير التجارة، عمر الباهي، قد صرّح على هامش المنتدى الدولي للتمور بتوزر، يوم الأربعاء 12 سبتمبر 2018، بأنّ كميات الحليب الموردة لتعديل السوق لا تتجاوز 5 أو 6 مليون لتر أي ما يمثل 1 أو 2 بالمائة من حجم الاستهلاك الوطني المقدر بنحو 600 مليون لتر في حين تتجاوز الكميات المصدرة 11 مليون لتر. وقال الوزير إنّ عمليات التوريد ترمي أساسا إلى تعديل السوق ومواجهة النقص في كميات الانتاج بسبب الجفاف وارتفاع مستوى الاستهلاك الذي يصل الى 600 مليون لتر سنويا مشيرا الى ان المخزون الحالي من هذه المادة يبلغ 20 مليون لتر مقابل 40 مليون لتر السنة الماضية اي بانخفاض بنسبة 50 بالمائة. وأبرز أن الحكومة اعتمدت على ثلاث آليات لمواجهة ذروة الانتاج وهي التصدير والتخزين والتجفيف في حين اتخذت عدة اجراءات لمواجهة نقص الانتاج تتمثل في الترفيع في الأسعار واقرار تشجيعات كبيرة للمربين لانتاج الأبقار الحلوب واقتناء الأراخي فضلا عن رصد اعتمادات لفائدة الفلاحين، وفق قوله. وبين تبريرات الوزارة غير المقنعة للبعض وحاجة المستهلك لهذه المادة التي أضحت من بين الضرورات والمواد الإستهلاكية الأساسية للمواطن التونسي، تبقى مسؤولية الجهات الرسمية تجاه أزمة الحليب ضرورة وجب من خلالها التحرك الجدي لحل الأزمة قبل ان تتفاقم، خاصة مع العودة المدرسية وتزايد حاجة المستهلك لمادة الحليب. وما انفكت سياسات الدولة في التعامل مع قطاع الحليب تثير انتقادات خبراء الاقتصاد الذين أرجعوا السبب لأزمة القطاع إلى سياسات الدولة التي يعتبرونها خاطئة ويقولون إنها مفارقة كبيرة أن تلجأ الحكومة إلى توريد الحليب في حين يتلف المزارعون كميات كبيرة من إنتاجهم كل عام. ووفق الأرقام الرسمية فإن طاقة تصنيع الحليب تبلغ 850 مليون لتر سنويا، منها نحو 700 مليون لتر لتصنيع الحليب المعلب والباقي يخصص لصناعة الأجبان وغيرها. ويقدر معدل استهلاك الحليب ومشتقاته بنحو مئة كيلوغرام للفرد سنويا. ويضم القطاع نحو 120 ألف مرب للماشية أغلبهم من صغار المربين بنسبة 95 بالمائة ، وما يقارب 230 مركز تجميع في مختلف مناطق البلاد، إلى جانب عشر شركات صناعية. ويواجه صغار فلاحين ممن يعملون في القطاع صعوبات كبيرة جراء ارتفاع كلفة الإنتاج وتؤكد نقابات الفلاحين أن حل الأزمة يكمن في إرساء استراتيجية لتنمية قطاع العلف وتشجيع المزارعين على تربية الأبقار وتوفير الإمكانيات المادية للمربين. وتؤكد النقابات أن الحكومة لم تحسّن تسيير أوضاع القطاع إذ أنه منذ سنتين تم تسجيل فائض في إنتاج الحليب وأن الحكومة لم تستثمر ذلك الفائض لمواجهة تداعيات الجفاف على دورة الإنتاج. ويطالب مصنعو الحليب بزيادة أسعار هذه المادة. وتم إقرار زيادة في سعر الحليب على مستوى الإنتاج في جويلية الماضي دون رفع سعر البيع للمستهلك إذ زادت الحكومة دعمها للحليب ليصل إلى نحو 30 بالمئة، لكن المهري يقول إن هذه الزيادة جاءت متأخرة ولم تكن كافية لمساعدة المنتجين على مواجهة ارتفاع الكلفة. وتقترح نقابات المزارعين ومصنعي الحليب أن يتم تحرير الأسعار، من ضمن مقترحات أخرى لإعادة هيكلة القطاع. وأكدوا أن هذه الخطوة ستساهم في تنوع إنتاج الحليب والاستجابة لاحتياجات المستهلكين، إلى جانب أنه خيار يشجع على الاستثمار في القطاع. ووفق التقديرات، يتم تزويد الأسواق المحلية بنحو 2 مليون لتر من الحليب يوميا، فيما يبلغ حجم الاستهلاك 1.8 مليون لتر. يشار الى ان التجربة التونسية في قطاع الألبان تجاوزت اليوم قرابة 20 سنة، وكانت تعتبر تجربة ناجحة حققت لتونس اكتفاءها الذاتي منذ سنة 1999 ولبّت حاجياتها من حيث الكم.