أصبح من الضروري اليوم الخروج ببلادنا من مأزق تفاقم الأزمة السياسيّة التي رمت بضلالها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وبات من الضروري أيضا تهدءة سباق انتخابات 2019، الذي بدأ مبكّرا. منذ أكثر من شهرين، تعالت الدّعوات لرئيس الحكومة يوسف الشّاهد للقيام بتحوير وزاري، يشمل عديد الوزارات التي تمّ الاجماع حول ضعف مردوديّتها. ولعلّ تسارع وتيرة التجاذبات السياسيّة الأخيرة، خاصّة دعوة رئيس الحكومة للذهاب إلى البرلمان لكسب الثّقة من جديد، زاد في تسريع خطوات التّحوير. ألقي رئيس حركة النّهضة، راشد الغنوشي خطابًا بمُناسبة انعقاد النّدوة السنوية الثانية لإطارات الحزب، أمس السبت 27 أكتوبر 2018، تناول خلالهُ أهمّ مواقف الحركة في علاقة بالقضايا الأساسيّة، التي تشغل الرّأي العام الوطني، خاصّة فيما يتعلّق بالأزمة السياسية التي تعيشها البلاد وموقف حركة النهضة من التغيير الحكومي، الذي سيقدم عليه رئيس الحكومة السيّد يوسف الشاهد خلال المرحلة المقبلة. وأوضح راشد الغنّوشي خلال خطابه، أنّ حركة النّهضة متمسّكة بشراكة رئيس الجمهوريّة، الباجي قائد السبسي، وان تباينت وجهات النّظر، وأكّد الغنوشي أنّ الحركة تعمل على المحافظة على العلاقة الايجابيّة المميّزة مع رئيس الجمهوريّة. وبخصوص التحوير الوزاري، جدّد الغنوشي تأكيد تمسّك النهضة بدعم مسار الاستقرار، ودعم حكومة الائتلاف الوطني والمساهمة في تشكيلها وتمريرها في البرلمان بأغلبية مريحة. أمّا نداء تونس، فيبدو الخصم والحكم، في مسألة التحوير الوزاري، فحسب تصريحات قيادات النّداء على غرار النّاطقة الرّسميّة باسم الحزب، أنس الحطّاب، التي أكّدت أنّ نداء تونس غير معني بحكومة يوسف الشّاهد، وأنّ النّداء لم يحكم منذ انتخابه 2014. والواقع يقول، أنّ نداء تونس مُمثّل في حكومة الشّاهد الحاليّة ب10 وزراء و5كتّاب دولة ورئاسة الجمهوريّة ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، فكيف لا يحكم النّداء مع كلّ هذه التّكليفات الحقائب الوزاريّة والمناصب السياديّة؟ رئيس الجمهوريّة، الباجي قائد السّبسي، مؤسّس نداء تونس، أكّد خلال ظهوره الاعلامي في كلّ مرّة، أنّه ممسك بدواليب الحكم، وأنّه “الفاتق النّاطق” وأن لا أحد يملي عليه قرارات أو خيارات، كما أنّ الجميع يعلم أنّ الباجي هو مهندس التشكيلة الحكوميّة الحاليّة، لدرجة أنّ مؤسّسة رئاسة الحكومة بدت أقلّ صلاحيّات من رئاسة الجمهوريّة. يبدو أنّ الباجي أصبح يرى نفسه أكبر من منصب رئيس الجمهوريّة، خاصّة وأنّه يحتاج لصلاحيّات اضافيّة ليكون أكثر فاعليّة من الوقت الرّاهن، وهذا ماعبّر عنه السبسي في حواره الأخير مع مريم بالقاضي، حين نصح الشّاهد بالذّهاب إلى البرلمان لكسب الثّقة وقال: “ماعندي مانعمللو.. عندو أغلبيّة في البرلمان”. اعلان انتهاء التّوافق بين حركة النّهضة وحركة نداء تونس، بدا ممكنا في ظاهر الأمر لكنّه يبدو مكلفا بعد تطبيقه، لنداء تونس خاصّة. فالنّداء اليوم، بالرّغم من اندماج الاتّحاد الوطني الحرّ فيه، لم يتمكّن من تجميع أكثر من 50 نائبا، ممّا يجعله غير قادر على تمرير القوانين أو اسقاطها، وهذا ما يجعله في حاجة ماسّة للعودة إلى التّوافق مع حليفها حركة النّهضة. وفي مفارقة غريبة، يبدو نداء تونس مخيّرا بين الانضمام إلى حكومة الشّاهد والمشاركة فيها بدعمه ليواصل بذلك النّداء مسار الحكم، أو أن يعلن رسميا عن انسحابه من الحكومة لينضمّ إلى المعارضة آليّا، خاصّة مع واقع هشاشة كتلته البرلمانيّة. ويجدر بالذّكر، أنّ السّبسي الابن هدّد في أكثر من مناسبة بسحب وزراء النّداء من حكومة يوسف الشّاهد، غير أنّ هذا التّهديد لم يقع تفعيله بعد، وبعد خطاب راشد الغنوشي أمس، وحديثه عن تمسك حركة النهضة بالتوافق والشراكة مع رئيس الجمهورية، كيف سيحسم الباجي موقفه!!.