يدرك نداء حافظ قائد السبسي ان الذهاب الى البرلمان عبر صياغة عريضة سحب ثقة إنما هو عبث بالأساس، فالكتلة النيابية للنداء متقطعة بين 3 أطراف وهم المدير التنفيذي ورئيس الحكومة ورئيس الكتلة سفيان طوبال الذي شكل وسيشكل لاعبا أساسيا في حسم الامر لأحد المتنافسين وهو ما كشفه موقفه على الأقل حين اكد على التزام الكتلة بما سيقرره الباجي قائد السبسي بشأن مصير الشاهد وهو محاولة لتحييد الكتلة والتأكيد على انها لا تنتمي لحافظ كما يسعى نواب مقربون منه لترويجه. ويبدو واضحا ان طوبال بات في تقاطع واضح مع الشاهد على حساب قائد السبسي الابن، فقبول الكتلة بالاغلبية بتكوين لجنة مكلفة بتقييم عمل أعضاء الحكومة شكل في حد ذاته مدخلا للتوافق مع الشاهد بما يعنيه ذلك من «فرار» رئيس الحكومة بالشق الاغلبي للكتلة وهو ما كشفته على الأقل ردة فعل الناطق الرسمي للنداء منجي الحرباوي. الذي اصدر بلاغا رسميا جاء فيه «نحن نواب كتلة حركة نداء تونس المجتمعون اليوم نستنكر ما صدر عن بعض ممثلي اللجنة المؤقتة المكلفة بتقييم عمل أعضاء الحكومة من تصاريح تتبنى مواقف لم يقع التشاور حولها شوشت على المواقف الرسمية للحركة في بعض المسائل الوطنية الهامة لذا فاننا نطالب الادارة التنفيذية بالإسراع بإنهاء أعمال هذه اللجان ضمانا للاستقرار ولوحدة الصف داخل الكتلة وهياكل الحزب». وهو ما دفع بطوبال للرد على الحرباوي دفاعا عن زملائه النواب من أعضاء اللجنة المذكورة وايضا الدفاع عن الكتلة والحال ان طوبال ممثلها الشرعي. وقد كذب طوبال ما جاء على لسان الحرباوي بقوله «انّ البيان الذي صدر بإسم كتلة نداء تونس لا يلزم الكتلة في شيء، مضيفا أنّه خلافا لما ورد في البيان الذي قدمه المتحدث بإسم حزب نداء تونس فإن الكتلة لم تجتمع ولم تصدر أي بيان «. موقف حركة النهضة وفِي واقع الامر فان نداء تونس لم يخسر جزءا من كتلته فحسب بل خسر «مؤقتا» شريكه الاول حركة النهضة، فالنداء يدرك انه لا يمكن ان يمر للسرعة القصوى دون شريك سياسي، خاصة وان حركة النهضة قد عبرت عن موقفها مجددا بدعم الاستقرار السياسي اولا والاستقرار الحكومي ثانيا وهو ما أكده الناطق الرسمي باسم الحزب عماد الخميري الذي نقل ان الاجتماع الاخير بين رئيس الحركة وأعضاء المكتب السياسي والكتلة البرلمانية يتبنى خيار الاستقرار. ويعي النداء ان النهضة لن تتراجع عن رفضها للنقطة 64 من مسودة وثيقة قرطاج 2 فبات من الضرورة البحث عن شريك جديد، ليجد النداء في الاتحاد العام التونسي للشغل سندا قويا للإطاحة بالشاهد وقد زادت علاقة الطرفين اصرارا مع الاجتماع الاخير لقيادات الاتحاد والنداء حيث أجمعا على انه حان وقت رحيل الحكومة، وقد زاد الارتفاع الاخير في الأسعار من دعم موقفهما بل والتفاف عدد من الاحزاب البرلمانية الاخرى حولهما على غرار حركة الشعب التي تساند الاتحاد من باب الاستقرار الاجتماعي. وفِي ذات السياق تدرك حركة النهضة ان مسالة التوافق لا تعني حزب نداء تونس او ما سيتبقى منه بقدر ماهو توافق بين الحركة ورئيس الجمهورية، بما يعنيه ذلك ان مسالة التوافق ستتواصل لانها مرتكزة على طرفين أساسيين وهما راشد الغنوشي من جهة والباجي قائد السبسي من جهة اخرى بما يعنيه ان حافظ قائد السبسي لم يكن سوى حارسا للتوافق حيث لا يمكنه ان يتخذ قرار فك الارتباط الا اذا قرر الرئيس ذلك وهو ما تستبعده العديد من القراءات السياسية. ليبقى السؤال الابرز ماذا لو توافق الغنوشي والباجي حول تحوير وزاري فقط؟ سؤال قد يجد ما يبرره خاصة مع اعلان الشاهد عن تحوير وزاري قريب بعد ما صرح به امس حين قال «أن التحوير " Loading" اي التحميل جاري . للرئيس أسبابه ولاتزال الأسئلة قائمة والدعوات مفتوحة امام رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي للكشف عن موقفه النهائي من الازمة السياسية، سواء بإعلان موقفه من رئيس الحكومة يوسف الشاهد او بالدعوة الى استعمال الفصل 99 من الدستور التونسي الذي من شانه ان ينهي الوضع الراهن. موقف الباجي غير واضح، من الخلافات بين المدير التنفيذي للنداء ورئيس الحكومة، وكذلك من مسالة بقاء الشاهد بعد الاختلاف حول تغيير حكومي عميق يشمل حتى رئيس الحكومة او تحوير وزاري. واذا ما كانت الدعوة واضحة لتدخل رئيس الجمهورية انطلاقا من الفصل 99 من الدستور، فان صمت الباجي قائد السبسي وصومه عن التدخل في أزمة الحكم زادا في ارباك الوضع اكثر، ففي الوقت الذي انتظر فيه الجميع تدخلا واضحا له فقد خير الرئيس الوقوف على الربوة لا هربا من المسؤولية بقدر ما هو تكتيك. «تكتيك» يقوم على مزيد خلط الأوراق وتداخل عناصر الأزمة حيث يصعب التفكيك بما يمكن تلك العناصر من تهرئة بعضها البعض ليستحيل حينها إيجاد الحل الا بتدخل الطرف الاقوى وهنا يأتي دور «»سي» الباجي كضمانة للاستقرار مما يمكنه من فرض موقفه دون معارضة من تلك الاطراف التي ستخرج منهكة من خلافاتها المتواصلة. كما ان تخوفه من احراج ممكن قد يشكل عنصرا أساسيا لعدم استغلال الرئيس للفصل 99 ففشل الرئيس في حشد النواب او التصويت عكس ما يبتغيه قد يدفعه للاستقالة والخروج من الحكم بخفي حنين وهو سبب اخر يخشاه الرئيس . فبقدر ما يمثل الفصل 99 من الدستور مدخلا للاستقرار، قد يشكل ايضا دافعا لمزيد من الفوضى السياسية التي ستؤدي بالضرورة الى انتخابات مبكرة فمن سيدفع كل هذه التكلفة؟