تحتلُّ تونس المرتبة الثانية عربيا بعد سوريا، في هجرة الكفاءات العلمية و صفوة النخبة الأكاديمية والعلمية الوطنية من ذوي الاختصاصات المهمّة كالطبّ والصيدلة والهندسة الذين يفضّلون العمل بالخارج بعد أن تكوّنوا في تونس. و يُلقّب البعض البلدان العربية بالبلدان “الطاردة للأدمغة” بسبب الصعوبات الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تعيشها هذه البلدان و بسبب صعوبات الشغل و البيروقراطية و الفساد ناهيك عن ضعف الميزانيات المخصصة للبحث العلمي و ندرة المراكز البحثية، فالجامعات ومؤسسات التعليم العالي ومراكز البحوث في العديد من البلدان “الطاردة للكفاءات” عانت ولا زالت تعاني من غياب الحريات الأكاديمية وندرة في عدد المراكز البحثية، وفي الوطن العربي، نجد أنه من المحيط إلى الخليج يوجد حوالي 600 مركز بحثي فقط ومعظمها يوجد داخل الجامعات. بينما في فرنسا وحدها 1500 مركز. و على المستوى الوطني ، بلغ عدد المهاجرين خلال السنوات ال6 الأخيرة 95 الف تونسي ،78 بالمائة منهم كفاءات جامعية ، بحسب ما أعلن عنه الأستاذ الجامعي والخبير بالمعهد العربي لرؤساء المؤسسات، مختار الكوكي،الذي أكد أنّ أصحاب الكفاءات في أوروبا يبلغ حاليا نحو 24445 شخصا. وأوضح الكوكي، خلال ندوة فكرية انتظمت يوم أمس الخميس ببادرة من مركز المسيرين الشبان حول هجرة الادمغة ، أن قطاع الصحة يتصدر قائمة القطاعات المصدرة للادمغة يليها قطاع التعليم والفلاحة والصيد البحري والميكانيك واللاكترونيك والمالية والاقتصاد والعلوم الفيزيائية والكيميائية، لافتا الى أن ألمانيا تمثل وجهة جديدة بالنسبة لللأطباء التونسيين. من جانبه، أبرز الأستاذ الجامعي محمد جاوى، أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتراجع الدينار التونسي أمام العملات الاجنبية، فضلا عن ضعف مستوى العيش وتدهور مناخ الاستثمار وعدم الاستقرار الامني كلها اسباب دفعت الى هجرة الكفاءات نحو الخارج. وأجمع المتدخّلون، خلال هذا اللقاء على ضرورة تحويل هذه الظاهرة التي تفاقمت خلال السنوات الاخيرة الى فرصة على تونس استغلالها في مختلف القطاعات. و يرى مراقبون أنّ هجرة الكفاءات تعود إلى سببين،أولهما تدنّي الرواتب في تونس مقابل تلك التي تُمنح في دول الاتقطاب على غرار فرنسا و بلجيكا و كندا إذ يساوي الأجر هُناك 6 أضعاف ونصف الأجر في تونس.. أمّا السبب الثاني فيتعلّق بالمناخ العلمي المريح والمتطوّر الذي تتيحه بلدان الإقامة للباحثين وما يتوفّر فيه من وسائل البحث العلمي، هذا إضافة إلى البطالة التي تمسّ أصحاب الشهادات العليا من بينهم 4740 مهندسا و1500 طبيب (إحصائيات 2016) وكذلك البيئة العلمية والثقافية .