تحتفل تونس اليوم بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الموافق للثاني عشر من شهر ربيع الأول، وتشهد جلّ ولايات الجمهورية احتفالات بالذّكرى، خاصة مدينة القيروان نظرا لأهميتها في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية ومخزونها الثقافي ومعالمها الحضارية، حيث تقام احتفالات كبرى بهذه المناسبة يواكبها مئات الآلاف من الزوار الذين يتوافدون على المدينة من مختلف أنحاء البلاد، في مشهد شبيه بمراسم “الحجّ”. وتمثّل الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، فرصة للزوار لزيارة معالم القيروان التاريخية والدينية على غرار جامع عقبة ابن نافع وفسقية الاغالبة ومقام ابي زمعة البلوي مع متابعة العروض والانشطة الدينية والروحانية والثقافية، كما تزدهر الحركة الاقتصادية والتجارية بالمدينة العتيقة.
وقد بدأ الآلاف من الزوار في التوافد على مدينة القيروان منذ يوم الإثنين، وبلغ عدد الوافدين على المدينة 600 ألف زائر، بالإضافة إلى توافد عدد هام من السياح الأجانب، ممّا يؤكّد نجاح السياحة الدينيّة في تحقيق رقم قياسي في يوم واحد، تعجز المنظومة السياحية التقليديّة عن تحقيقه، ويعتبر مؤشّرا هاما لفتح باب الاهتمام بالسياحة الدّينية خاصّة وأنّ تونس تملك معالم دينيّة متعدّدة.
وتمثّل القيروان وجهة للاحتفالات الدّينيّة في مناسبات عدّة، كليلة 27 وليلة النّصف من كلّ رمضان، ورأس السّنة الهجريّة والمولد النبوي الشريف، ويعتبر مسجد عقبة ابن نافع مركز جاذبيّة روحيّة، ومعلما من معالم التّاريخ ليس في تونس فقط بل في افريقيّة والعالم العربي والاسلامي.
وهناك من يرى أنّ الزّيتونة فاقدة لإشعاعها كمركز روحي وتاريخي مقابل جامع عقبة والقيروان، وهو ما تبرزه مثل هذه المناسبات، فالقيمة التّاريخيّة لمسجد عقبة ابن نافع والقيروان التي انتشر منها الإسلام إلى افريقيّة، جعل هذا المسجد ذا رمزية روحية وتاريخية وسياسية أيضا، في بلادنا، وهو ما دفع العديدين إلى اقتراح القيروان عاصمة إقليمية ضمن التقسيم الإداري وفق دستور 2014. وكانت المدينة قد اختيرت سنة 2009 عاصمة للثقافة الإسلامية من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو). أمّا الزيتونة فاشتهرت بالأساس مركزا تعليميا، واختصّت الزوايا الصوفيّة من حولها باحتضان الاحتفالات. وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي، منذ مساء أمس الإثنين، تشارك التّونسيين صورهم وهم يحتفلون في القيروان بذكرى المولد المبارك، ويخصّص التونسيّون لهذه المناسبة الشّريفة عادات وتقاليد كثيرة تبقى أبرزها، زيارة القيروان في مثل هذا اليوم من كلّ سنة. ولئن مثلت القيروان وجهة حجّ التونسيين بشكل جماعي لافت بعد الثّورة، فإنّ سائر مدن تونس شهدت أيضا احتفالاتها بالمولد النبوي الشريف، وقد نظّمت وزارة الشؤون الدينيّة 12489 برنامجا دينيا بكامل البلاد، تتوزّع بين المحاضرات والدروس والمسابقات في حفظ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والإملاءات والأختام القرآنية والمسامرات الدّينية وأنشطة أخرى مختلفة، إضافة إلى المبادرات الاحتفالية في الفضاءات العامة وفي الزوايا الصوفية بمختلف انتماءاتها الطرقية.