مع اقتراب انتخابات 2019، بدأت الساحة السياسية تشهد توترا حيث توسعت دائرة المناورات السياسية وعاد خطاب التشويه و التخويف محذرا من هيمنة أطراف سياسية بعينها على الساحة الوطنية وتمّ استخدام الأذرع النقابية لشلّ حركة الدولة، فيما يؤكد آخرون أن التحركات الاحتجاجية لبعض النقابات لا تقودها المطالب العماليّة بقدر ما تقودها الأوامر الحزبية. ويرى مراقبون أن المنظمة النقابية باتت تلعب اليوم أدوارًا أخرى أكثر شموليّة، تتجاوز العمل النقابي بعدما اندمجت مطالبها الاجتماعية بالسياسي، وذلك بالعودة بالمسيرات التي تنظمها القيادة النقابية، مع تنسيق دعائي مكشوف مع بعض الأحزاب السياسية التي تتشارك معها في نفس التوجه سواء الايديولوجي أو السياسي. وقررت الجامعة العامة للتعليم المنضوية تحت الاتحاد العام التونسي للشغل تنفيذ مسيرة وطنية بالعاصمة يوم 6 فيفري 2019، ويحمل التاريخ دلالات معنوية باعتباره يرمز إلى يوم اغتيال شكري بلعيد ، فالواضح مُسبقا أن التاريخ بأبعاده السياسية سيكون مناسبة لمشاركة أطراف حزبية تحيي بالمناسبة ذكرى اغتيال بلعيد. ولعلنا لا ننسى في طرحنا للأبعاد السياسية للمطالب النقابية، مسيرة الغضب الذي نفذها الأساتذة الخميس الماضي والتي تحولت إلى احتجاجات سياسية بعناوين واضحة، فاصطفّ الأساتذة والقيادات الحزبية (نداء تونس والجبهة الشعبية) جنبا إلى وتحولت المطالب “بقدرة قادر” من مطالب الزيادة أجور إلى المطالبة بإسقاط الحكومة . الصورة لم تختلف عن تلك التي رأيناها يوم الإضراب العام الذي نفذه اتحاد الشغل شهر نوفمبر الماضي، حيث نزلت قيادات نداء تونس والجبهة الشعبية ومشتقاتها، بهدف مُؤازرة الطرف النقابي في معركته مع الحكومة وتوفير الغطاء البرلماني . وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد نظم إضرابا عاما يوم 22 نوفمبر الماضي، شمل أكثر من 650 ألف موظف في الإدارات والبنوك والبلديات وكافة المؤسسات الحكومية والخدمية. ومنذ أن قرر رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2 إثر دخول نجله حافظ السبسي في معركة مع رئيس الحكومة، تحول الاتحاد منذ ذلك الحين إلى أبرز قوة معارضة للحكومة، ووجد حافظ الابن دعما من الاتحاد، حين خرج يوسف الشاهد، في كلمة بثها في ماي الماضي، يتهمه فيها بتدمير الحزب. وزار حافظ في ما بعد القيادة النقابية للتعبير عن تضامنه فيما روج له من تهديدات مزعومة بالقتل تستهدفها، نفتها وزارة الداخلية. ويرى الكاتب الفرنسي نيكولا بو و رئيس تحرير موقع ” موند أفريك الفرنسي”، في مقال نشره نوفمبر الماضي، أن مصالح المنظمة الشغيلة تتقاطع مع مصالح رئاسة الجمهورية ومن ورائها حركة نداء تونس في الإطاحة برئاسة الحكومة المدعوم من الإسلاميين أكبر كتلة في البرلمان. واعتبر الكاتب، الذي يقال أنه يستقي مصادر معلوماته من جهات نافذة في تونس، أن هذه اللحظة تؤرخ لظهور حلف جديد مكون من قرطاج وبطحاء محمد علي. وهذا التحالف بين رئيس الجمهورية واتحاد الشغل مستعد للتصعيد الشعبي والمراهنة على الحراك الاجتماعي عبر الإضراب العام لوأد التحالف الحكومي بين الشاهد وحركة النهضة. ويرى آخرون أنّ المنظمة الشغيلة وعبر هذه التحركات المُريبة تعمل على إنهاك الائتلاف الحاكم في البلاد قبل حلول موعد الانتخابات القادمة 2019 ، من خلال تحريض الشارع و الشحن للمظاهرات نزولا عند رغبات ائتلاف الجبهة الشعبية. وقد تختلف زوايا النظر والخلفيات في تقييم الأداء السياسي لمنظمة الاتحاد العام التونسي للشغل، ولكن لا مجال للاختلاف حول مرجعية قيادة تحركاتها والتي تنتمي بالأساس إلى الفضاء اليساري المتحالف تاريخيا مع النظام الاستبدادي، بهدف تصفية وجود التيار الإسلامي في المنظمة، وفي الساحة السياسية، وهو الهدف ذاته الذي قد يكون مبرر التحالف مع نداء تونس وقصر قرطاج.