الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    حركة النهضة تصدر بيان هام..    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور حمودة بن سلامة ل”الشاهد”: اليسار كان ضدّ تأسيس رابطة حقوق الإنسان وساهم في انقسام حركة الديمقراطيين الاشتراكيين
نشر في الشاهد يوم 15 - 01 - 2019

أحداث الخبز سنة 1984 كانت مؤامرة من أجل عزل محمد مزالي
نظام بورقيبة عرض عليّ تأسيس حزب إسلامي

يعتبر الدكتور حمودة بن سلامة من أهمّ السياسيين الذّين شاركوا في الحراك السياسي ضدّ الحزب الحاكم ونظام بورقيبة في السبعينات وساهم في تأسيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في أواخر السبعينات ومن أهم الحقوقيين الذين أسّسوا الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وأمينها العام الأوّل قبل أن يغادرها في منتصف الثمانينات.
موقع “الشاهد” التقى الدكتور حمودة بن سلامة والذي تحدّث عن مسيرته السياسية والحقوقية وأكّد أنّ الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لا يعترف بالديمقراطية ونظامه عرض عليه تأسيس حزب إسلامي بعد أسبوع فقط من خروجه من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في سنة 1983.
وأضاف بن سلامة أن تونس عاشت 20 سنة على هاجس خلافة بورقيبة وأنّ أحداث الخبز سنة 1984 كانت مكيدة من قبل وسيلة بورقيبة ووزير الداخلية إدريس قيقة من أجل الإطاحة بالوزير الأوّل محمد مزالي.
وأفاد بن سلامة بأن الانشقاق الذي كان داخل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين كان بسبب الاختلاف حول استيعاب وجوه يسارية داخل الحزب وهو الأمر ذاته الذي حصل داخل الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وهو ما جعله يغادرهما.

منذ ترشّحك في الانتخابات الرئاسية في 2014، قلّ ظهورك، لماذا؟
نعم هذا صحيح، وهو أولا خيار منّي لأنّني لست منضمّا لحزب معيّن أو منظمة أو هيكل ما وليس لي عديد المبادرات أو التصريحات أو الكتابات التي تجعلني أظهر دائما في وسائل الإعلام. لكنه أيضا “خيار” من وسائل الإعلام التي لها إستراتيجيتها وهي تبحث عن الحدث وصنّاع الحدث كما لها مصلحة في استجواب واستقبال ضيوف من أصحاب القرار سواء كانوا في الحكومة والأحزاب الحاكمة أو ممن يؤثرون على القرار وعلى الشأن العام مثل المنظمات المهنية والمعارضة والمجتمع المدني.
وتقريبا وضعيتي تشبه أغلب السياسيين من جيلي وأعتقد أننا قدمنا ما قدرنا عنه في زمن معيّن في الشأن الحقوقي والسياسي والاجتماعي وطبيعي جدا أن تتجدد الطبقة السياسية بوجوه جديدة أو متجددة.
لماذا لم يكن لك خيار الانتماء لحزب معيّن؟
علاقتي بالتحزب منذ زمان خاصة جدا، شاركت شخصيا ضمن مجموعة الليبراليين في بداية السبعينات في محاولة الإصلاح وبلورة مفهوم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ثم أسس البعض من المجموعة حزب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين سنة 1978 وكنت من بين الذين أسسوا الحزب واضطلعت بمسؤوليات قيادية صلبه كما كنت من بين مؤسسي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وبعد خمس سنوات من تأسيس هذا الحزب غادرته لأسباب مرتبطة أساسا بخلافات لها علاقة بالتوجهات العامة للحزب، حيث بعد انتخابات 1981 ظهر داخل الحزب شقان كنت شخصيا في شقّ الأغلبية التي كانت رافضة للمساس من طبيعة وخيارات الحزب الوسطية. وأمام استحالة التوصل إلى اتفاق داخلي يحافظ على وحدة الحزب فضلت الانسحاب وكان بإمكاني مواصلة العمل في صلبه أو أن أسس حزبا آخر استجابة لدعوات ملحة من المنتسبين للحزب والذين كانوا مثلي رافضين لما اعتبرناه آنذاك انحرافا عن النهج الأصلي للحزب.
فضّلت أن أبقى مستقلا، وبالنسبة إليّ الاستقلالية ليست البقاء على الربوة لأنني في تلك الفترة كانت لدي أنشطة أخرى وكانت لي عديد المبادرات السياسية، وشعوري أن مزاجي يتماشى مع الاستقلالية أكثر من التحزب لأنّ طبيعة الحزب وضرورة الانضباط له أمر غير سهل، ثم إنّ تونس مازالت حديثة عهد بالتحزّب والأحزاب دائما مرتبطة بشخصية الزعيم، مثلا الحزب الدستوري القديم ارتبط بالشيخ عبد العزيز الثعالبي والحزب الدستوري الجديد ارتبط ببورقيبة وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين ارتبطت بأحمد المستيري وحزب الوحدة الشعبية ارتبط بشخصية أحمد بن صالح. وحتى الأحزاب التي تكونت فيما بعد بقيت مرتبطة بمؤسسيها التاريخيين مثل نجيب الشابي وحمة الهمامي وراشد الغنوشي، وبالتالي من الصعب أن تمارس الديمقراطية فعليا داخل الأحزاب.
أحمد المستيري
هل أنّ حركة الديمقراطيين الاشتراكيين لم تُمارس داخلها الديمقراطية؟
حزب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين كان مثله مثل بقية الأحزاب الأخرى لأنه سليل حزب الدستور وزعيمه كذلك. فبعد فترة من التأسيس وجدنا تصرفات الحزب الحاكم نفسها، رغم طابعه الرافع لواء الديمقراطية في البلاد، ورغم حرص الزعيم على التشاور وحرصنا نحن على أن لا نكون بيادق. ولكن هنالك أسبقية الزعيم وقيمته وهذا كان على حساب الديمقراطية الداخلية، وهذا مشكل تعاني منه الأحزاب قديما وحديثا فالخلافات التي تقع مردّها أن الشخصنة تتغلب على المؤسسة في حين أن المفروض هو أن تكون هنالك مؤسسات تتخذ القرارات السياسية ولكن ورغم وجود هذه الهياكل فإنّها في أغلب الأحيان تبقى شكلية على الورق لا غير إذ شخصية الزعيم هي التي تطغى على توجهات القرار.

ما هي طبيعة الخلاف في تلك الفترة داخل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين؟
الحزب هو خارج من رحم الحزب الحاكم، لأنّ المجموعة التي أرادت إصلاح الحزب الحاكم في آخر الستينات وأوّل السبعينات لم تتمكن من القيام بذلك من داخل الحزب الحاكم لذلك قررت الخروج نذكر من بين أعضائها البارزين قامات مثل أحمد المستيري وحسيب بن عمار وراضية الحداد والباجي قائد السبسي والحبيب بولعراس والصادق بن جمعة، فتلك المجموعة التحقت بها خلال النصف الأول من السبعينات مجموعة آخرى من الشباب مثل إسماعيل بولحية ومحمد مواعدة ودالي الجازي وحمودة بن سلامة وعبد الحي شويخة وعبد الستار العجمي ومنير الباجي ومصطفى بن جعفر وجلهم كانوا من قيادات وكوادر حزب الدستور في حين كنت أنا الوحيد الذي لم يكن منخرطا فيه.
وكما أسلفت فإن شقا من هذه المجموعة اختارت سنة 1980 العودة إلى عضوية الحزب الحاكم في حين أقدم شق ثان سنة 1978 على تأسيس حزب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وهو حزب وسطي كان يرتكز على 3 أسس عامة، هي الشخصية العربية الإسلامية يعني الهوية الحضارية، وكذلك الديمقراطية وكان تقريبا أوّل حزب تونسي طرح مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، والمنطلق الثالث هي الاشتراكية بمنى الديمقراطية الاجتماعية.
بعد انتخابات 1981، والتي وقع هزمنا فيها بتزوير نتائجها لكن في الحقيقة فزنا بها. وسياسيا الحركة هي التي انتصرت وهذا الانتصار جعل أعدادا كبيرة من الوافدين التحقوا أو حاولوا الانضمام لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين. وهنا حدثت محاولات من بعض اليسار للانخراط. وهذا الدخول يعني الاحتواء لأن اليسار لا ينخرط لمجرّد العضوية فقط بل عادة ما يود ويحاول رموزه لعب الأدوار الأولى وكان خميس الشماري من أبرز الأسماء التي التحقت بالحزب.
هنا وقع الخلاف فهنالك شقّ اعتبر أن دخول اليساريين للحزب سيضرب هويته لأنه حزب وسطي بينما اعتبر البعض الآخر أنّ انضمامهم من شأنه أن يفتح مجالا أوسع للحزب وكانت الأغلبية غير راضية وهنالك أقليّة كانت قابلة بذلك والخلاف كان وراءه الموقف من الفرنكوفونية والتعريب. والمشكل العويص الذي اعترضنا هو أن زعيم الحزب، ولو أن ميولاته الوسطية والأصيلة كانت ثابتة، لكنه كان تكتيكيا مساندا للأقلية وهذا ما صعب الحسم في الخلاف لفائدة الأغلبية.
خميس الشماري
في تلك الفترة لو كانت المؤسسات قائمة وتشتغل بالطرق الديمقراطية لوقع فضّ المشكل في المجلس الوطني لكن شخصية الزعيم كانت طاغية حيث كان السيد أحمد المستيري يميل إلى استيعاب اليساريين وبالفعل حدث ذلك واعتبرناه آنذاك غلبة للأقلية على الأغلبية مما عكر الجو العام داخل الحزب ومهد للأزمات المتتالية التي هزت الحزب بعد ذلك وهي في رأيي المتسبب الأساسي في تدني مردوده خلال السنوات التي تلت إلى حد الانقراض.

من هي الشخصيات الذين رفضت دخول اليسار للحزب؟
محمد مواعدة وإسماعيل بولحية كانوا محترزين من دخول اليسار ومصطفى بن جعفر كان يمسك العصى من الوسط وكان يميل إلى أن يساند السيد أحمد المستيري، وإن كنت أعلم أن في قرارة نفسه كان محترزا من يسارية الحركة وكنت شخصيا مصنفا في زعامة المعترضين على التوجه اليساري للحركة. وصل الحزب إلى حالة صراع وأنا رأيت أن أغادر الحزب لأنّ الدخول في صراع ضد الزعيم سيصبح انقلابا وهذا ما كنت لأقبله.

هل فعلا عُرض عليك تأسيس حزب في تلك الفترة؟
بعد أن انسحبت في أوت 1983 وبعد أسبوع فقط أرسل لي النظام مسؤولا ساميا واقترح عليّ تأسيس حزب عربي إسلامي وقيل لي إنه سيتم منحي تأشيرة الحزب مباشرة، وأن الرئيس بورقيبة كان على علم بذلك لأنهم يعرفون ميولاتي وكان الهدف إلحاق الضرر بأحمد المستيري وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين (وهي لم تحصل بعد على التأشيرة القانونية للعمل الحزبي)، ورفضت المقترح والمسعى وأجبت مخاطبي أنني لمّا انسحبت من الحزب الذي أعطيته خمس سنوات من حياتي كان ذلك حبّا في تلك المجموعة والتجربة ولم أرض بإلحاق الضرر به.
ليس من السهل أن أتجاوز ما عشناه مع بعضنا وأنا لما خرجت من الحزب رفضت المس من الحزب الذي شاركت في تأسيسه وأنا استغرب ما يحصل اليوم في الحياة السياسية حيث يستقيل الشخص وينضم لحزب آخر ثم يعود ثم يغادر فنحن كنا في أحزاب تأسست على فكرة قوية وقاعدة فكرية وعقائدية مشتركة بين أعضائها، لذلك ترى اليوم أن أكثر الأحزاب صمودا وتماسكا هي حركة النهضة والجبهة الشعبية لأنهما مبنيتان على قاعدة نضالية وفكرية مشتركة.

هل تحوّلت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بعد ذلك إلى حزب يساري؟
عندما انسحبت مجموعة بل مجموعات، وبقيت أخرى والذين لم يغادروا لم يكونوا متحمسين لأنه ليس من السهل أن يؤسس الإنسان حزبا ثم يغادره، لم يشق الحزب طريقه كما يجب ولم يصبح حزبا يساريا بل دخل في أزمات ولم يكن داخل هياكله الانسجام الكافي كي يتجاوز الأزمات التي عرفتها البلاد في الثمانيات والتحولات الكبرى من أحداث 1984 والأزمة الاقتصادية سنة 1986 و7 نوفمبر 1987 وانتخابات 1989، فكلّ تلك الفترات تعامل معها الحزب بتردد كبير لأنه غير منسجم ومنقسم إلى شقّ مع أحمد المستيري وآخرين ضده. وبقي يعيش أزمات حتى غادره زعيمه أحمد المستيري في 1989، خاصة بعد الانتخابات والاختلاف حول المشاركة من عدمها. ثم مسك الحزب شقّ تزعمه محمد مواعدة وخميس الشماري وكان هنالك شقّ معارض له بقيادة مصطفى بن جعفر وإسماعيل بولحية.
وفيما بعد قاد الحزب بولحية ودخل ضمن معارضة المعاضدة الذي شكلها بن علي وضمّت أيضا الحزب الشيوعي وحركة الوحدة الشعبية والحزب الليبرالي لمنير الباجي وحزب الخضر للخماسي.

التشقق حدث جرّاء غياب الديمقراطية داخل الحزب أم بسبب دخول أطراف يسارية؟
الإثنان معا، لأن دخول تلك المجموعة غير المنسجمة مع طبيعة الحزب والمخالفة لأفكاره تماما أحدثت شرخا، ولو كان هنالك قاعدة صلبة داخل الحزب لما كان دخولهم يؤثّر بتلك الطريقة، ولكن غياب القاعدة الصلبة مردّه غياب الديمقراطية ومكانة شخصية الزعيم أحمد المستيري، رغم أنه شخصية محترمة جدا ولدي تقدير كبير له ولكن تلك هي طبيعة البشر خاصة إذا تبوب القيادة.
فغياب المؤسسات والديمقراطية رغم وجودها في القانون الأساسي والذي قنن الحسم الديمقراطي إلاّ أنه لا يقع التطبيق والظروف المحيطة أثرت لأن البلاد كانت تشهد حكم الحزب الحاكم والنظام المستبد والبوليس السياسي، إضافة إلى غياب الإعلام وحرية التعبير.

خروج أعضاء من المجموعة وعودتهم للحزب الحاكم ثم فيما بعد التحق البعض ببن علي لما صعد للحكم، لماذا هذا التساهل في مغادرة الحزب والالتحاق بالحكم؟
لما خرجت أنا من حزب الديمقراطيين الاشتراكيين بقيت لمدة خمس سنوات مستقلاّ وقمت بعدّة مبادرات وكانت لدي كتابات ونشاط سياسي وحقوقي ونقابي طبي من سنة 1983 حتى سنة 1988 فلما أدركت 7 نوفمبر 1987 كان ذلك مرتبطا بأزمة حقيقية وخانقة كانت تعيشها البلاد وبورقيبة كان مريضا وخارج الواقع والذين حوله كانوا يتحكمون في كل شيء ويقررون مكانه ويقولون إن الرئيس هو الذي قرر. وكان بن علي هو الوزير الأول أي هو خليفة بورقيبة دستوريا. ورغم كل ما قيل عن بن علي وعن الطبيعة الاستبدادية والفساد التي تميزت به حقبته عموما إلا أن ما أقدم عليه وضع حدا لأزمة كانت ستؤثّر سلبا في مستقبل البلاد، والدليل على ذلك أنّ كل العائلات السياسية والفكرية تفاعلت إيجابيا مع ما قام به بن علي ورحبت بما حصل وهذا ليس من باب الانتهازية ولكن من باب الواقعية وشهدت البلاد انفتاحا وعادت الأحزاب للعمل وعاد الإعلام للنشاط بكل حرية بما في ذلك الإعلام الدستوري وهنالك حوارات ونقاشات، لكن ذلك لم يدم طويلا ثم عادت الأوضاع والسلوكيات إلى ما كانت عليه وظهر الاستبداد من جديد..
في الأيام والأسابيع الأولى التي تلت السابع من نوفمبر 1987 كانت هنالك فكرة لحل الحزب الاشتراكي الدستوري ولكن بن علي وجد أن الأغلبية من الذين كانوا معه هم أنفسهم دساترة وعملوا مع بورقيبة وهذا ما جعله يتراجع عن الفكرة ويقرر الإصلاح وكنت من بين الناس الذي تم تكليفهم بالمشاركة في لجان إصلاح الحزب الاشتراكي الدستوري وعلى هذا الأساس قبلت لأنّ إصلاح الحزب الحاكم يعني إصلاح النظام السياسي للبلاد ككل.

متى بدأ موقفك يتغيّر من بن علي؟
شعرت ثم تيقنت منذ الأشهر الأولى بعد 7 نوفمبر أن مسعى الإصلاح غير ممكن وغير جاد وأن التصلب والاستبداد هما في طريقهما إلى العودة ولست وحدي في هذا التقييم ، وللتذكير كان هنالك عدّة أهداف من استقطابي للحكومة وللحزب خاصة تاريخي الحقوقي والسياسي وقربي من الإسلاميين. وكان بن علي يريد استقطاب هذه النوعية من الشخصيات وكذلك الكفاءات فتمّ استقطاب أحمد فريعة ومصطفى كمال النابلي ومنصر الرويسي وكذلك البعض من أعضاء الرابطة التونسية لحقوق الإنسان مثلي ومثل سعد الدين الزمرلي والدالي الجازي ومحمد الشرفي.
الدالي الجازي (على اليسار) حين توليه وزارة الدفاع
من هي الشخصيات داخل النظام التي كانت تدعم حلّ ملف الإسلاميين؟
جل الشخصيات في النظام كان ضد الحوار مع الإسلاميين، تقريبا بن علي وحده كان– في البداية- يريد معالجة ملف الإسلاميين ولكن طريقته يعني أن يملي شروطه وليس مفاوضات بين طرفين، ثم سرعان ما اختار المعالجة الأمنية للملف أي بالمطاردة والإقصاء.

شاركت في انتخابات 1981 وكنت في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وتم ظلمكم وتزويرها ثم شاركت في انتخابات 1989 وتم تزويرها وكنت في الحزب الحاكم حينها، كيف قبلت بذلك وأنت قد مورس عليك هذا التزوير من قبل؟
في انتخابات 1981، كان هنالك تزوير واضح ونددنا بذلك ولكن الأمر يختلف في 1989 حيث كنت في الحزب الحاكم ولكن لم أكن في الصف الأمامي للحزب ولم تكن لي المقدرة على منع ذلك التزوير أو حتى رفضه.
في بداية انتخابات 1989، كانت هنالك إرادة لدى بن علي لمنح المعارضة 25 في المائة من مقاعد البرلمان وكانت هنالك مفاوضات على هذا الأساس مع المعارضة وكنت أنا من ضمن المكلفين بالتفاوض مع هذه الأحزاب ولكن تلك المحاولات فشلت.
في انتخابات 1989 كانت هنالك حملة انتخابية وشاركت عديد الأطراف في الانتخابات وحصل التزوير في النتائج، وهنا ربما هنالك من يقول لماذا لم احتج على ذلك التزوير وأنا ظلمت في سنة انتخابات 1981 ربّما لم تكن تلك الانتخابات بالأهمية التي نتحدث عنها اليوم.

هل كانت انتخابات 1981 صفقة بينكم وبين الوزير الأوّل محمد مزالي؟
لم تكن صفقة ولكن سؤال في محلّه، انتخابات 1981 كانت سابقة لأوانها، تقريبا أجريت قبل سنتين من الموعد الرسمي للانتخابات حيث أنه في جانفي 1978 عاشت تونس أحداث الخميس الأسود ثم تم اعتقال الإسلاميين في صيف 1978 وفي 26 جانفي 1980 وقعت أحداث قفصة والتي كشفت عن أزمة سياسية وبعد تلك الأحداث تم تعيين محمد مزالي وزيرا أوّلا بعد مرض الهادي نويرة.
كانت علاقتنا جيدة بمحمد مزالي وهو رجل فكر ومتفتح وله طموحات سياسية وكان قابلا للحوار فوقع الاتصال به وكنت أنا من بين الناس الذين أقنعوا محمد مزالي بوجود مصلحة في القيام بحركة لتطبيع الأوضاع وتفاعل إيجابيا مثلما تفاعل في سنة 1984 مع الوساطة لإطلاق سراح الإسلاميين.
قلت له يجب أن تقطع مع فترة الهادي نويرة وتفاعل إيجابيا مع هذا التوجه وقلت له يجب أن نقوم بانتخابات وتمكن العائلات السياسية من الوجود في البرلمان فوافق.
قمنا ببعض اللقاءات وتقرر إجراء انتخابات سابقة لأوانها ولم تكن صفقة كان اتفاقا سياسيا تعامل معه الجناح المعتدل في السلطة والمعارضة التي يمثلها أساسا حزب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين. واتفقنا على الخطوط العريضة للانتخابات ولم نتفق على محاصصة مثلما أرادها بن علي في سنة 1989، وكانت انتخابات حقيقية.
محمد مزالي
هل كان لمحمد مزالي دور في التزوير؟
لا، وزير الداخلية إدريس قيقة هو من قام بالتزوير ووسيلة بورقيبة وبعض الولاة، في حين أن ولاة آخرين رفضوا تعليمات التزوير مثل والي جندوبة النقابي الراحل عبد الرزاق أيوب الذي رفض بكل شجاعة وجرأة القيام بالتزوير، بالنسبة لمحمد مزالي خطأه أنّه كان يجب أن يدافع عن التجربة بأكثر شجاعة وهو لم يفعل ذلك.

ماهي العلاقة بين تأسيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان سنة 1977 وتأسيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين سنة 1978؟
بداية الشروع في تأسيس رابطة حقوق الإنسان كانت في آخر 1975 وهي مبادرة طرحها حسيب بن عمار رحمه الله قبل أن يتم الحديث عن احداث الحزب سنة 1978 فلم يكن هنالك علاقة بين الحزب والرابطة وكانت فكرة الرابطة لاختبار مدى قدرة النظام للتأقلم مع مثل هذه المبادرة وكان هنالك 5 اشخاص هم الذين بدؤوا العمل من اجل تأسيس الرابطة وهم دالي الجازي وحسيب بن عمار ومنير الباجي وحمودة بن سلامة ومحمد مواعدة وقمنا بعديد الاتصالات والمحاولات ووقع كر وفر مع النظام وكان الطاهر بلخوجة وزير الداخلية قد ساعدنا في ذلك رغم معارضة البعض من صقور الحكم مثل محمد الصياح ، ودون انتظار الحصول على التأشيرة بدأنا في العمل وأصدرنا بيانات حول محاكمات سياسية ، لم تضم الهيئة المديرة التأسيسية للرابطة وعدد أعضائها 24 سوى عضوين من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وهما الدالي الجازي وحمودة بن سلامة.

قيل إنّ لرئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر علاقة بتأسيس الرابطة وبمنحكم التأشيرة؟
بداية الرابطة كانت قبل مجيء كارتر يعني في سنة 1975 وكانت صدفة بوصول كارتر ولكن هنالك أمر آخر وللضغط على السلطة للحصول على تأشيرة عقدنا مؤتمرا للحريات في شهر أفريل 1977 ووجهنا دعوات للمشاركة معنا كضيوف للأكاديميين الأمريكيين المعروفين بتحمسهم لحقوق الإنسان وربما ذلك كوّن ضغطا على الدولة ولكن نحن لم تكن لنا لا تعليمات ولا أي شيء استفدنا من الأجواء فقط.
وزير الداخلية بقيادة الطاهر بلخوجة كان متحمسا للفكرة ولكن محمد الصياح كان ضدها وحاول إجهاضها من خلال تأسيس رابطة ثانية يعني كانت هنالك محاولات لمنع تأسيس الرابطة، ونحن كانت لنا خطة ناجحة ووضعنا أسماء في الهيئة التأسيسية لا يخشاها النظام ولا يحترز منها مثل الأستاذ سعد الدين الزمرلي وعميد المحامين السابق الطيب الميلادي والنقابي الصادق علوش أمين عام مساعد لاتحاد الشغل آنذاك.
ولكن أوساط اليسار أرادوا التشويش على تأسيس الرابطة وكانوا رافضين لها في البداية وقالوا إنها رابطة برجوازية يدعمها الأمريكيون، لكن عندما تحصلنا على التأشيرة هرولوا للالتحاق بنا.

بعد الخروج من الحزب، مرّة أخرى تخرج من الرابطة.. هل كان السبب نفسه؟
فعلا، ما حصل نفسه لكن في الحزب لم ينجحوا لأن الحزب وسطي ومن رحم حزب الدستور، بينما عندما تعلق الأمر بالرابطة التونسية لحقوق الإنسان خاصة أن لها فروع في كل الجهات، فلذلك شعب اليسار كله انضم للرابطة مثل الشماري والشرفي وسهام بن سدرين والعلاقي وحمادي الرديسي.
حمادي الرديسي
هل كان اليسار في تلك الفترة في حاجة لهيكل ينخرط فيه؟
نعم، هم دخلوا مع بن علي في الحزب وفي الحكومة مثل سمير العبيدي وخميس قسيلة، ولكن نظام بورقيبة كان يحترز من اليسار لذلك اليسار لم يكن يؤسس، بل يدخل إلى الأحزاب والمنظمات ويحتويها ثم إنّ الأحزاب التي أسسها اليسار لا يمكن لها أن تتجاوز حجما معينا أي حجما يعادل تمثيليتها الحقيقية ضمن العائلات الفكرية والسياسية، ربما تجربة الجبهة الشعبية والتي جمعت 11 أو 12 حزب قد تكون ناجحة نسبيا.
إدريس قيقة
قلت في مناسبة سابقة إن تونس عاشت 20 سنة على هاجس خلافة بورقيبة.. كيف ذلك؟
موضوع خلافة بورقيبة تزامن مع فشل تجربة التعاضد في خريف 1969 حينها كان بورقيبة مريضا ومنذ من ذلك الحين وحتى سنة 1987 كان الموضوع الرئيسي خلافة بورقيبة، لأنّ في ذلك الوقت الوزير الأول يتحول إلى ولي عهد وهو الذي سيتسلم الحكم بعد وفاة بورقيبة دستوريا وعمليا وتمت إزاحة الباهي لدغم من أجل هذا الموضوع ثم لما عيّن الهادي نويرة أصبح هو الرئيس المنتظر وفي بعض الفترات قام بعمل الرئيس حيث اصبح يقبل أوراق اعتماد السفراء ثم لما عيّن محمد مزالي أصبح الخليفة المنتظر وأصبح هنالك معارضة ضد مزالي وحتى أحداث الخبز في سنة 1984 كانت مؤامرة من وزير الداخلية ادريس قيقة ووسيلة بورقيبة من أجل عزل محمد مزالي.
مشكلة الخلافة بقيت ترافق تونس والحياة السياسية من 1969 إلى 1987 وأفسدت الحياة السياسية في البلاد حتى أطاح بن علي ببورقيبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.