.. يوم 4 ماي 1977 تقدم السيدان محمد سعد الدين الزمرلي ومحمد الدالي الجازي ( الوزيران بعد التغيير) بمطلب رسمي باسم حوالي 500 شخصية حقوقية وسياسية من مختلف التيارات.. لتأسيس جمعية حقوقية هي الأولى من نوعها في تاريخ تونس: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان.. وفي يوم 7 ماي 1977 وقع وزير الداخلية آنذاك الطاهر بلخوجة رخصة تقنين الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان.. بعد ضوء أخضر من أعلى هرم السلطة.. تتويجا لمفاوضات دامت حوالي عام كامل حول تركيبة الهيئة التأسيسية للمنظمة التي لعبت دورا كبيرا خلال الثلاثين عاما الماضية.. فمن هي أهم الشخصيات التي تداولت على قيادة الرابطة طوال ال30 عاما الماضية؟ وماهي ملامح هذه المنظمة الحقوقية التي لا تزال كل الاطراف تؤكد على انها " مكسب وطني كبيرجدا "..رغم تواصل أزمتها المتعددة الاوجه؟ وهل من أفق للخروج بالازمة الحالية من عنق الزجاجة.. بعد بعض الاشارات الايجابية التي ظهرت مؤخرا.. ومنها تنظيم الإحتفال بالذكرى الثلاثين لتاسيس الرابطة في مقرهاالمركزي بحضور شخصيات عالمية بينها الرئيسة الجديدة للفيديرالية الدولية لحقوق الانسان الاعلامية سهير بلحسن والرئيس السابق صديقي كابا ..فضلا عن عدد من الرؤساءالسابقين والمناضلين الحاليين في الرابطة..؟؟ الهيئة التأسيسية للرابطة برئاسة الطبيب سعد الدين الزمرلي كانت توفيقية بين هيئتين الاولى تضم شخصيات منتمية للحزب الدستوري والثانية من بين المستقلين والدستوريين الذين "انشقوا" عن الحزب أو " طردوا" منه ضمن ما عرف بتحركات الليبيراليين والديمقراطيين في مؤتمري الحزب الدستوري في 1971 و1974.. ومن بينهم عدد ممن أسسوا حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة الوزير سابقا السيد أحمد المستيري والتيار التحرري الذي أسس جريدة الراي بزعامة الوزير سابقا السيد حسيب بن عمار.. هيئة توفيقية وقد ضمت الهيئة الاولى الى جانب الدكتور الزمرلي ( الذي كان من القائمة الثانية ) السادة عبد الرحمان الهيلة والطيب بن ميلاد والصادق علوش وعبد الوهاب بوحديبة والشريف الماطري والدالي الجازي وعزيزة الوحشي والهاشمي العياري وحمودة بن سلامة والمنجي الشملي والميداني بن صالح وفتحي حفصية ومنير الباجي وهشام بوقمرة وفاروق بن ميلاد وعبد الحميد العموري وعائشة بن اللاغة والبشير بن زينب ومصطفى بن عياد ومحمد بن عبد الله وأحمد خالد.. هذه الهيئة قادت الرابطة من يوم التاسيس في 7 ماي 1977 الى المؤتمر الوطني الاول في 14 فيفري1982.. وكانت تضم أساسا أطباء وجامعيين ومحامين كبار في حجم عبد الرحمان الهيلة والهاشمي العياري وعبد الوهاب بوحديبة والشريف الماطري .. وقد تولى عدد من أعضاء تلك الهيئة حقائب وزارية وديبلوماسية بعد التغيير: حمودة بن سلامة والدالي الجازي وسعد الدين الزمرلي وأحمد خالد.. تأثير الديمقراطيين الاشتراكيين ونتيجة للدور المركزي الذي لعبته في تلك المرحلة حركة الديمقراطيين الاشتراكيين (قبل انتخابات 1981 وبعدها) عبر صحف الراي والمستقبل بالعربية ولافنيروالديمقراطية بالفرنسية ..وعبرمؤسساتها جاء مؤتمر14 فيفري 1982 ليكرس هيمنة واضحة لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين على الهيئة المديرة ومؤسساتها الوطنية والجهوية.. لا سيما بعد ان انضمت الى الحركة وجوه من المعارضة في الجهات وشخصيات من المعارضة العائدة من المهجر مثل السيد خميس الشماري.. وقد تكونت الهيئة الثانية من 15 عضوا فقط برئاسة الدكتور الزمرلي.. مع أعضاء بارزين في قيادة حركة الديمقراطيين الاشتراكيين هم السادة حمودة بن سلامة وخميس الشماري والدالي الجازي وعبد الوهاب الباهي ومنير الباجي ( كان قريبا من الحركة ومدير تحرير صحيفة الراي ).. كما انفتحت الهيئة على شخصيات مستقلة قريبة من بقية التيارات من بينها الدكتورة هالة عبد الجواد (الحزب الشيوعي) وصلاح الدين الجورشي وكمال عبد النبي وفاروق ميلاد ..وظلت الشخصيات القريبة من الحزب الدستوري ممثلة لا سيما السيد مصطفى الفيلالي (مدير الحزب في الستنيات).. وحافظ الميداني بن صالح على عضويته ممثلا للتيار القومي ..والتحق بالهيئة الجامعي الحقوقي السيد محمد الشرفي..( مجموعة آفاق اليسارية في الستينات ) الذي تولى لاحقا وزارة التربية لمدة 5 أعوام.. دعم تيارات اليسار انضمام ممثلي تيارات المعارضة اليسارية السابقة تواصل في المؤتمرين الثالث في فيفري 1985 والرابع في 12 مارس 1989.. وقد تواصل الحضور المميز لعناصر قيادية في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين اذ انضم الى الهيئة الدكتور مصطفى بن جعفر والسيدة خديجة سعد الله وحافظ خميس الشماري والدالي الجازي وعبد الوهاب الباهي على مواقعهم.. وانضمت الى الهيئة شخصيات عديدة بعضها اثار دخوله جدلا كبيرا مثل المرحوم سارج عدة.. وبعضها لعب دورا كبيرا لاحقا على الصعيدين الوطني والدولي مثل السيدات والسادة خديجة الشريف وفرج فنيش والمنصف المرزوقي وسهام بن سدرين وسحنون الجوهري وهشام قريبع (عين لاحقا مستشارا في ديوان الوزير الدالي الجازي) وسحنون الجوهري ومحمد الصالح فليس ومحمد المهدي المسعودي وعلي النجار..وقد حافظ الدكتور الزمرلي على رئاسة المنظمة حتى تعيينه وزيرا في 1988 فعوض بالسيد محمد الشرفي الذي عين بدوره وزيرا في 1989 مباشرة بعد المؤتمر الثالث فعوضه الدكتور المنصف المرزوقي.. من الوفاق إلى الازمة وقد تواصل التمشي التوفيقي عند تشكيل الهيئات المديرة للرابطة خلال مؤتمري مارس 1989 وفيفري 1994.. فقد تشكلت الهيئات بعد مفاوضات مع السلطات والحزب الدستوري (التجمع) أسفرت عن دخول عضوين من الحزب الى الهيئة المديرة هما يوسف علون وخميس قسيلة في مؤتمر 1989 وابراهيم جدلة وخميس قسيلة في مؤتمر 1994.. مقابل غالبية من المستقلين وممثلين عن الاحزاب من بينهم هالة عبد الجواد في هيئة 1989 ثم حاتم الشعبوني في هيئة 1994 عن الحزب الشيوعي (التجديد لاحقا) وعربية بن عمار عن حزب الوحدة الشعبية في مؤتمر 1994 وفتحي التوزري ومحمد القوماني وخديجة سعد الله عن الديمقراطيين الاشتراكيين (في مؤتمر 1994).. فضلا عن شخصيات من اليسار الاشتراكي السابق مثل مصطفى التليلي ونجيب بولعراس والحبيب الحمدوني وعبد الكريم العلاقي والفاضل الغدامسي وعمارة بن رمضان ومنير الشرفي وصالح الزغيدي.. وقدبرزت في هيئتي المؤتمرين الثالث والرابع شخصيات مستقلة مؤثرة مثل المحامي عبد الرحمان كريم والصحفيين محمدكريشان وسفيان بن حميدة والجامعي مصطفى التليلي والمحامي الفاضل الغدامسي عبد اللطيف البعيري ومحمد الصالح الخريجي.. لكن بوادر التوتر برزت منذ مؤتمر 1994 عندما فشلت قائمات الوفاق مرارا قبل المؤتمر وأثناءه وبعده.. وهو ما انجر عنه "اقصاء" متفق عليه بين أبرز منظمي المؤتمر الرابع في 1994 للرئيس المتخلي الدكتور المنصف المرزوقي ولعدد من "القريبين منه" بينهم السادة سهام بن سدرين ومصطفى بن جعفر وبن عيسى الدمني.. ولئن سقطت القائمة المنافسة لقائمة "الوفاق" والتي قادها في 1994 الاستاذ المختار الطريفي المحامي ورئيس فرع العمران فقد نجح أحد رموزها الجامعي عبد الكريم العلاقي.. وهو معطى جعل الهيئة التي ترأسها الاستاذ توفيق بودربالة المحامي ما بين 1994 و2000 تواجه صعوبات عديدة.. من بينها عجزها عن السيطرة على عملية التحضير للمؤتمر الخامس (29 أكتوبر2000) التي تمت خارج مقرالهيئة المديرة للرابطة..حيث عقدت الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر وعملية تشكيل قائمة "الوفاق" باشراف الرئيس الفائز في مؤتمر 2000 السيد المختار الطريفي.. فانفجرت خلافات قبل المؤتمر وداخله تعقدت بعده تلك الخلافات ..مع تداخل عدة أوراق سياسية وغير سياسية.. وتناقضات بين رموز الطبقة السياسية وعدد من النشطاء الحقوقيين.. من بينها بروز هيئات حقوقية منافسة للرابطة فاز بعضها باعتراف دولي.. وحصلت احداها على عضوية الفيديرالية الدولية لحقوق الانسان .. بعد 30 عاما من النضال الميداني والتحركات الحقوقية هل حان وقت النقد والنقد الذاتي؟ هل هناك مجال لتفعيل حقيقي لدور الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان عبر التقييم الهادئ لأداء كل الهيئات المتعاقبة بما فيها الهيئة الحالية؟ وإذا كان من حق المعارضة مطالبة السلطات بهامش أكبرمن حرية التعبير يضمن لها التعبير عن وجهات نظرها فهل يمكن اليوم أن تنقد الهيئات المتعاقبة على الرابطة ومنها الهيئة المديرة التي أفرزها مؤتمر 2000؟ أليس من مصلحة الجميع طي صفحة الماضي.. عبر مصالحة تبدأ بقدرمن المصارحة والنقد الذاتي العلني.. عوض الدوران في حلقة مفرغة؟ أليس في الامكان عقد المؤتمر المؤجل مرارا عبر حوار يؤدي الى حلول تحفظ ماء وجه الجميع ..مع ضمانات منها أن تكون الهيئة القادمة أساسا من المستقلين عن كل الاحزاب القانونية وغير القانونية؟؟ كمال بن يونس