تلوّح المنظمة الشغيلة بخوض إضراب عام جديد يومي 20 و21 فيفري القادم، بعد عدم توصّله إلى اتّفاق مع الحكومة بخصوص مطالبها، لاسيّما وأن أوّل جلسة مفاوضات بعد إضراب 17 جانفي التي انعقدت الثلاثاء 22 جانفي 2019 حول الزيادة في أجور أعوان الوظيفة العمومية باءت بالفشل ولم تُسجّل أي تقدم، في انتظار جلسة جديدة من المنتظر أن تعقد يوم الاثنين المقبل. وبالعودة إلى الجذور الأولى للأزمة بين الطرفين الحكومي والنّقابي، فإن أساس الخلاف يعود إلى مطلع جانفي من العام الفارط وبدء الاتحاد رفع مطلب “ضخّ دماء جديدة في الحكومة” ثمّ تطوّر ليصبح مطلبه تغيير الحكومة برمتها بدءًا برئيسها يوسف الشاهد، الأمر الذي عُرف بالبند 64 من “وثيقة قرطاج 2” الذي أثار جدلا واسعا منذ انطلاق الأطراف الموقعة في وثيقة قرطاج1 في مناقشتها إلى غاية إعلان رئيس الجمهورية الباجي قايد السيسي وقف النقاشات بشأنها وطيّ صفحة الوثيقة ككلّ. وكان البند 64 من وثيقة قرطاج 2 المتعلق ببقاء يوسف الشاهد من عدمه، قد أثار ضجة واسعة على الساحة السياسية تواصلّ على مدار أسابيع في ظلّ انقسام المشهد إلى قسم داعمٍ للقاء الحكومة وآخرَ مُنادٍ بإقالتها برمّتها. وخلق موقف الاتحاد العام التونسي للشّغل المصرّ على استبعاد حكومة الشاهد، الذي كان حاسما منذ البداية وانتهى بإعلانه الانسحاب من وثيقة قرطاج حتّى قبل إعلان السبسي وقفها، بالخصوص، شدّا وجذبا واسعين لاسيما فيما يتعلّق بموضوع خلط المنظمة بين النقابي والسياسي حيث اعتبرها محلّلون تخوض معارك لا تمتّ لصلاحيتها بصلة. ومن هنا انطلقت المعركة الفعلية بين الاتحاد والحكومة على أرض الواقع، لتتحوّل من حرب تصريحات إلى حرب أفعال. ورغم محاولة الحكومة تطويق الأزمة وامتصاص غضب المنظمة، وذلك من خلال الانصياع إلى مطالب الاتحاد فيما يخص القطاع العام ليُلغي الإضراب العام الذي كان مقرّرا تنفيذه في 24 اكتوبر 2018، إلّا أن للمركزية النقابية رأيا آخر، حيث أكّدت آنذاك إثر الاتفاق المبرم بينهما أنّ خضوع الحكومة لمطالب الاتحاد وإلغاء الإضراب “انتصار لتونس”، مشدّدة من جانب آخر على مضيّها قُدما في إضرابها العام في الوظيفة العمومية الذي نفذته في 22 نوفمبر 2018 بعد فشل المفاوضات. وتواصلت سلسلة الإضرابات فيما بعد، فبالتوازي مع إضرابات قطاعية شهدتها مختلف الأسلاك بالبلاد قادتها نقابات منضوية تحت خيمة الاتحاد، نفّذ الاتحاد العام التونسي للشغل في 17 جانفي 2019 إضرابا عامّا في القطاع العام والوظيفة العمومية. كما هدّد الاتحاد بتنفيذ تحركات تصعيدية في حال واصلت الحكومة رفض مطالبه، وعقدت الهيئة الإدارية للاتحاد اجتماعا في السبت 19 جانفي 2019 قررت خلاله تنفيذ إضراب عام آخر بيومين بتاريخ 20 و21 فيفيري 2019. وقد فشلت أول جلسة تفاوض بين الحكومة والاتحاد بعد إضراب 17 جانفي، المنعقدة الثلاثاء 22 جانفي، ومن المنتظر أن تُعقد جلسة أخرى الاثنين 28 جانفي 2019. ولا يبدو أن الاتحاد العام التونسي للشغل مستعدّ لتقديم أيّ تنازلات بخصوص مطالبه، وهو ما أكّده الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل حفيّظ حفيّظ، في حوار له مع “الشاهد” بتاريخ 21 حانفي 2019، حيث فقال إن المنظمة الشغّيلة لن تقدّم أيّة تنازلات جديدة في مفاوضاتها القادمة مع الحكومة والاتحاد قدّم ما يجب وما يمكنه تقديمه لإيجاد توافقات”، مشدّدا على أن "الاتحاد ذاهب للمفاوضات بذات السقف الذي اقر في آخر جلسة على ان يتم إدراج الزيادات في كتلة الاجور ولا تراجع عن ذلك” وأن “الكرة الآن بيد الحكومة”، أي أن المفاوضات التي تُدار بين الطرفين النقابي والحكومي يُنتظر منها أن تقدم الحكومة تنازلات دونًا عن المنظمة الشغيلة. وليس من المتوقع أن يتوصّل الطرفان إلى اتفاق في ظلّ تمسك الحكومة بموقفها المرتبط بشروط صندوق النقد من جهة، وتلويح المركزية النقابية بالتصعيد في تحركاتها من جهة أخرى. وعموما عرّى تعمّق الأزمة بين الاتحاد والحكومة عن نزعة المركزية النقابية إلى الاستقواء ومزيد توسيع حدود نفوذها، ليس على المستوى النقابي فحسب، بل أيضا على المستوى السياسي. ولعلّ الدعم الشعبي الكبير والنجاح الميداني الواسع الذي حققه اتحاد الشغل خلال الحشد للإضراب الأخير، أغرياه بطموح انتخابي في الاستحقاقات الانتخابية القادمة المزمع إجراؤها في موفّى 2019.. ويرى متابعو الشأن السياسي أن الدور المتصاعد للمركزية النقابية، في إدارة شؤون البلاد، الذي تجاوز الدور النقابي في الدفاع عن منظوريها من العمال إلى التدخل بقوة في الشأن السياسي من شأنه أنّ يؤثّر في مصداقيتها كمنظمة نقابية مستقلة. ومنذ ثورة 2011، شهدت البلاد 4 إضرابات عامة، ارتبطت بمظاهر سياسية؛ أولها نُفّذ في 8 فيفري 2013 بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013 ، وثانيها في 26 جويلية 2013 إثر اغتيال محمد البراهمي، ثم إضراب 22 نوفمبر 2018 لعدم الوصول لاتفاق حول الزيادات في أجور موظفي الوظيفة العمومية لكن الدوافع الضمنية له سياسية بانت للعيان من خلال الشعارات المرفوعة خلالهما من قبل الحزام السياسي النقابي، المطالبة ب”إسقاط الحكومة