منذ إعلان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي نيته الترشح إلى سباق الانتخابات الرئاسية القادمة المزمع إجراؤها في موفّى 2019، لم تتوقّف أصداء ذلك على السّاحة السياسية، لاسيّما وأنّه سبق أن فنّد ذلك قبل أشهر قليلة، الأمر الذي خلق تساؤلات حول النّوايا الحقيقية التي تقف وراء التغير المفاجئ في قرار السبسي وترويجه خلال هذه الآونة بالذات لاسيّما وأنّه لا يزال الحديث عن الاستحقاقات الانتخابية القادمة مبكّرا نسبيّا. ولعلّ تراجع شعبية حزب حركة نداء تونس أمام صعود رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي يعبّد الأرضية الملائمة أمام إطلاق حزبه السياسي الجديد، هو الذي دفع النّدائيين إلى استحضار السبسي الأب مؤسس النّداء في محاولة لإعادة بريق الحزب وضمان حاضنة شعبية أكثر اتّساعا. وقد تقهقر حزب النداء، الذي فاز في سباقي التشريعيات والرئاسيات الانتخابيين لسنة 2014، وتراجعت مكانته الشعبية في المشهد السياسي التونسي بسبب الانشقاقات الحادة التي شهدها مما أدى إلى تراجع عدد ممثليه في مجلس نواب الشعب من 86 مقعداً خلال سنة 2014 إلى 41 مقعداً برلمانياً فقط حاليا . ومع اقتراب تاريخ الانتخابات القادمة، يعمل النّداء على تدارك هفواته التي سقط فيها طيلة السنوات الماضية، من خلال الحشد لمؤتمر الانتخابي المزمع عقده يومي 2 و3 مارس 2018 والتحضير له جهويا ومحليا من جهة، ومن خلال اعتماد ذات التكتيك المعتمد في انتخابات 2014 وهو الترويج للحزب من خلال صورة “الباجي”. وتعمل قيادات نداء تونس على نشر خبر نية السبسي في الترشح لولاية رئاسية ثانية، والتسويق لذلك في كلّ حضور إعلامي لهم، في مسار تكتيكي لرصد صدى ووقع ذلك لدى الرأي العام التونسي. وفي هذا الشأن، قال النائب عن حركة نداء تونس رمزي خميس، في تصريح ل”الشاهد” الخميس 24 جانفي 2019، إنّه “بالاعتماد على تحليل منطقي وواقعي للوضع لا وجود لخلاف في ترشيح رئيس الجمهوريّة الحالي الباجي قائد السبسي بصفته الرئيس المؤسس للحزب للانتخابات الرئاسية القادمة”. وأوضح، أن “حسن تعامل السبسي مع عديد الأزمات التي مرّت بها البلاد هو ما دفع الندائيين إلى الالتفاف حول إعادة ترشيحه لولاية رئاسية ثانية”، وفق تقديره. وأضاف خميس أن “حزب النداء محتاج في المرحلة المقبلة إلى رجل في رئاسة الجمهورية يجمع بين الحكمة والرصانة والخبرة” وهي سمات تجتمع في السبسي، حسب رأيه. واعتبر القيادي في نداء تونس عبد الرؤوف الخماسي، في تصريح إذاعي، أن الحزب لا يرى مرشحاً للانتخابات الرئاسية في كامل أنحاء البلاد سوى السبسي. وأضاف الخماسي: “ليس هناك مرشح سوى الباجي في الفترة الحالية… وليس لنا خطة بديلة”، قبل أن يستدرك “في النهاية القرار للباجي قائد السبسي”. في مداخلة له في مؤتمر محلي مخصص للإعداد للمؤتمر الانتخابي للحزب، كشف القيادي بنداء تونس فوزي اللومي، أن الباجي قائد السبسي هو مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المُقبلة، داعيا مؤسسات الحزب للاستعداد جيدا للانتخابات. في ذات السياق، نوّه عضو لجنة الإعداد للمؤتمر الانتخابي ل”نداء تونس” بوجمعة الرميلي أنّ “رئيس الجمهورية ربط مسألة قبوله الترشح أو الترشيح للانتخابات المقبلة، بشرطين أساسيين: أولاً ضرورة نجاح مؤتمر نداء تونس في اتجاه إيجاد حلول للمشاكل الآنية والعاجلة في البلاد، وثانياً أن يتمّ ترشيحه من قبل المؤتمر الوطني للنداء”. جدير بالذّكر أنّ القيادية بحزب النداء لمياء المليح سبق أن أفادت، في 12 جويلية 2018، بأن “رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قد نفى ما راج من أخبار حول نيته الترشح للانتخابات المقبلة وأضافت أنه “ليس لديه أي نية للترشح للانتخابات الرئاسية 2019”. لكنّها سرعان ما استدركت، في تدوينة نشرتها بتاريخ 13 جويلية 2018، أكدت فيها أنه وقع تأويل تصريحها على غير معناه. واختلفت وجهات النظر والمواقف تجاه الخبر المتداول حول نية السبسي الترشح لسباق الرئاسيات، سواء أكانت نية صادقة أو طُعمًا ذا خلفيات سياسية ألقاه النداء على الساحة السياسية في هذه الآونة بالذات من أجل تحقيق غايات حزبية. وفي تعليقه على ذلك، قال السياسي أحمد نجيب الشابي، في تصريح إذاعي، إن “السبسي يدور دائماً في الفلك البورقيبي الذي لا يرى في أحد القدرة على خلافته، ولا يرى بديلاً له قادراً على إدارة البلاد من بعده”، وفق تقديره. وأضاف أن “الفراغ الذي حدث حول السبسي هو دليل على انه لا يملك شخصية يثق بها أو يعتمد عليها”، مشيرا إلى أن “تجربته مع يوسف الشاهد تجعله يفكر أكثر من مرة في ذلك” ،حسب قوله. ومن جانبه، عبّر القيادي بحزب التيار الديمقراطي محمّد عبوّ، في تصريح إذاعي، عن معارضته لترشّح الباجي قايد السبسي للانتخابات الرئاسية المقبلة اعتبارا لعامل السنّ. وأوضح عبوّ إنّه كان يعارض ترشح السبسي في 2014 للسبب نفسه ولا يمكن أن يغيّر موقفه الآن، معتبرا أنّ التقدّم في السن قد يكون عائقا أمام قيامه بمهامه كرئيس للجمهورية. بدوره، رفض القيادي بالجبهة الشعبية زهير حمدي عن رفضه لترشح السبسي لولاية رئاسية جديدة، وقال في تصريح صحفي، إن “ذلك يعتبر من علامات رداءة المشهد السياسي الحالي”، وفق تقديره. وأوضح حمدي، في هذا السياق، أنه “بالإضافة لعامل السن هناك عامل تقييم تجربته وعهدته الحالية والتي تميزت بالفشل ولم تساهم في إخراج البلاد من مشاكلها بل كان جزء لمنظومة كانت وراء الأزمة السياسية”، مشيرا إلى أن تونس في حاجة إلى “بدائل لها مشروع وطني ورؤية حقيقية لمشاكل البلاد”، حسب تعبيره. وسواء ترشح الباجي قائد السبسي في السباق الانتخابي القادم أم لم يترشح، فإنه من السابق لأوانه الحديث عن مرشحي الانتخابات الآن في ظلّ عدم تهيئة الأرضية الملائمة لإجرائها على غرار عدم سدّ الشغورات صلب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتعطل إرساء المحكمة الدستورية لمدة تقارب 5 سنوات على الرغم من أن خبراء القانون الدستوري ما انفكّوا ينوهون بأن غياب المحكمة الدستورية من شأنه أن يؤدي إلى إفراغ التجربة الديمقراطية التونسية من محتواها رغم كل ما تحقق فيها من نجاحات..
