”التثبت من الحسابات البنكية للأحزاب السياسية” إجراء عادي تحوّل بفعل “الشو الإعلامي” والتوظيف السياسي إلى حدثِ يخضع للعمل الاستقصائي المشوّه والتسريب وما جاورهما من الأعمال غير المهنية. من “الغرفة السوداء” إلى ملفّ “اللغز الأسود” وغيرهما من العناوين التي كُتبت بالبند العريض في الوسائل الإعلامية المحسوبة على أطراف سياسية، أطرافٌ طوّعت أجندتها وأذرعها الإعلامية لضرب خصمٍ سياسي اعتمادا على حزمة من المغالطات والإشاعات، بل إن البعض لقّب المعلومات العادية والإجراءات الدورية الرقابية على الاحزاب و المنظمات ب”التسريبات” في استدعاء ركيك لمصطلحات البوز والتشهير. ويبدو أنّ هناك من سعى إلى توجيه الرأي العام، نهاية هذا الأسبوع، للحديث عن مُراسلة عادية توجهت بها دائرة المحاسبات إلى محافظ البنك المركزي لمدّها بمعطيات تخصّ الحسابات المفتوحة باسم النهضة وعدد من مناضليها، في إطار إجراء دوري تقوم به دائرة المحاسبات يخصّ جميع الأحزاب والمنظمات وشخصيات فاعلة. إجراءٌ رحبّت به حركة النهضة، الّتي شدّدت في بيان لها حرصها على الشفافية واحترام كل الإجراءات القانونية المنظمة للعمل الحزبي وتثمينها للعمل الرقابي الذي تقوم به مؤسسات الدولة وفي مقدمتها دائرة المحاسبات. دائرةُ المحاسبات أكدت بدورها أن الاجراء التي قامت به لا يستهدف حركة النهضة بشكل استثنائي و إنّما يشملُ بقية الأحزاب في إطار أعمالها المتعلقة بالرقابة على تمويل الحملة الانتخابية البلدية لسنة 2018. وفي هذا السياق أكدت القاضية بدائرة المحاسبات شيراز التليلي أن الإجراء الذي تم ليس استثنائي لحركة النهضة فقط، وأنه إجراء عادي في إطار مراقبة تمويل الحملات الانتخابية. وأضافت القاضية شيراز في تصريح ل'الشاهد” أن الدائرة طلبت معطيات تخص الحسابات المفتوحة لدى البنوك البلاد التونسية لجميع الأحزاب السياسية الموجودة بتونس. الأمر ذاتُه أكدته رئيسة غرفة دائرة المحاسبات فضيلة القرقوري التي لفتت في تصريح ل”الشاهد” إلى أنّ الإجراء عادي و لا يقتصر على حزب واحد ويندرج في إطار أعمال الرقابة للدائرة حول تمويل الحملة الانتخابية البلدية وذلك عملا بالفصول التي مكنها منها القانون الانتخابي. ويرى مراقبون أنّ أسلوب التسريبات وتحويل الأخبار العادية إلى معلومات سريّة في تناول أشبه بتناول المُحقّقين هو إحدى أدوات التضليل والتشويه باعتماد القدرة على التأثير من خلال الإيهام بامتلاك قوة للحصول على المعلومات يخفي من ورائه تواطؤا إداريا في التسريب مع جهة سياسية تدير غرفة إعلامية لضرب الخصوم السياسية قبل أشهر من استحقاقات 2019. وكان رئيس كتلة حركة النهضة بمجلس نواب الشعب نورالدين البحيري أكّد في تصريح لموقع “الشاهد” أن حركة النهضة تُرحّب برقابة مؤسسات الدولة و بقيام دائرة المحاسبات بإجراءاتها طبق القانون مع الحركة وباقي الأحزاب الأخرى، مذكّرا بأن بعض الأحزاب الأخرى لم تقم بتسوية وضعياتها فيما يتعلّق بمصاريفها الانتخابية لسنتي 2011 و 2014. وفي بيان لها، الجمعة الماضي، أكدت دائرة المحاسبات أن المراسلة المسرّبة “تندرج في إطار أعمالها المتعلقة بالرقابة على تمويل الحملة الانتخابية البلدية لسنة 2018 وأن كل الأحزاب الفائزة بمقاعد في المجالس البلدية مشمولة بهذا الإجراء”. ودعت الدائرة في هذا الصدد، إلى ضرورة النأي بها عن كلّ التجاذبات السياسيّة، مبرزة حرصها على إنجاز أعمالها بكلّ استقلالية وتجرّد، والبقاء على نفس المسافة من كلّ الأطراف الخارجيّة والجهات الخاضعة لرقابتها.