رغم ترسانة التشريعات التي تنص على حقوق الطفل في التعليم والصحة وآليات حمايته واعتبارها من أولى أولويات الحكومات المتعاقبة، ورغم الكم الهائل من المؤسسات المشرفة على قطاع الطفولة والميزانيات المرصودة لها فإن واقع الطفولة في تونس يكشف لنا مدى ضعف هذه المنظومات وعدم نجاعتها. وقد تعدّدت وتشعّبت الاشكاليات المتعلّقة بالطفولة في تونس، فتعاني شريحة لا بأس بها من الأطفال التونسيين من مختلف أصناف الانتهاكات التي تتنوع بين الاستغلال الاقتصادي والعنف الجسدي والنفسي والانقطاع عن الدراسة علاوة على تنامي ظاهرة الاعتداءات الجنسية. وحسب الاحصائيات الرسمية، يتم سنويا تسجيل انقطاع أكثر من 100 الف تلميذ عن التعليم، كما يتم تلقّي 16158 إشعارا عن حالات الاعتداءات المختلفة على القصّر والاستغلال الجنسي والمادي لهم، أي بمعدّل 45 إشعارا يوميا. ولعلّ المخيف في الأمر هو ارتفاع ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال منذ سنة 2014، فقد طالت هذه الظاهرة حتى المدارس ليتم في الآونة الأخيرة التفطّن لمدرّس قام باغتصاب 20 طفلا ليصبح بذلك هذا الفضاء مصدر تهديد للطفل. طال التقصير والاهمال لأطفال تونس الرضع حديثي الولادة، فقد أثارت حادثة وفاة 15 رضيعا في مستشفى الرابطة بالعاصمة جدلا واسعا تم عقبه فتح ملف الطفولة المهددة في تونس. وقد اعتبر معز الشريف رئيس الجمعية التونسية لحقوق الطفل أن واقع الطفولة أصبح مهددا بسبب تراجع كل مؤسسات حماية الأطفال وانسياب المجتمع التونسي منذ الثورة وعدم اعتبار مشاكل الاطفال أولوية من طرف الدولة. واضاف الشريف في تصريح لموقع الشاهد أن تونس مرّت بفترة انتقالية كانت فيها المشاكل السياسية من اولى اوليات كل الفاعلين في المجتمع التونسي سواء كانوا احزابا او مجتمعا مدنيا الشيء الذي انجرّ عنه تأخير في أخذ القرارات اللازمة في كل الاستحاققات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت. وبيّن رئيس الجمعية التونسية لحقوق الطفل أنه في هذا المسار كان الطفل التونسي منسيا وغير مستهدف من طرف كل المتدخلين في الشأن العام من سياسيين ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني، مشيرا إلى أن الصوت الضعيف المستعرف به هو الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل التي لم يكن لها الصدى والتجاوب الكافي من طرف المجتمع المدني ومؤسسات الدولة. ووضّح الشريف أن تونس لم تصل فجأة لهذه الوضعية ومرّت سابقا بناقوس خطر دقّه الأطفالمنذ سنتين متمثّل في موجة انتحار تبرز مدى الاحباط الذي يعيشه الطفل التونسي، مضيفا أن كل المؤشرات الاحصائية وراء تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع وانخراط الاطفال في دائرة العنف واستقطابهم في الاجرام والانحراف والمخدرات والهجرة السرية. وشدّد المتحدّث على التراجع الكبير في مؤسسات حماية الطفولة وعدم تجاوب السلطة التنفيذية والتشريعية مشيرا إلى أن أكثر من 70 بالمئة من الملفات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية التي تعرض على الاطباء الشرعيين تتعلّق بالاطفال. كما أكد المتحدث أن كل الاشكاليات المتعلّقة بالأطفال يتم تناولها على طريقة “البوز” ثم يمرّ الموضوع دون اتخاذ أية اجراءات تذكر مذكّرا بأن رئيس الحكومة كان قد تعهّد بأن سنة 2017 ستكون سنة الطفولة في حين أنه لم يتم أخذ اي قرار ولا اجراء فيما يخص الطفولة وبقيت الاستحقاقات الاولى سياسية بامتياز.