أكدت العديد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية وملاحظون أن ظاهرة تشغيل الأطفال في تونس مازالت متفشية وتشهد تطورا مستمرا يوما بعد يوم في غياب تطبيق القانون من جهة وفي غياب احصائيات ودراسات تشخص الواقع من جهة أخرى حتى أن الأرقام المتوفرة لا تترجم حقيقة الواقع اذ ورد على مكاتب مندوبي حماية الطفولة 36 إشعارا فحسب طيلة سنة 2012 تتعلق باستغلال الطفل للتسول أو استغلاله اقتصاديا دون تحديد دقيق لنوع الاستغلال الاقتصادي الذي يتعرض له الأطفال في تونس والحال أن هذه الظاهرة في تطور مستمر في غياب الردع والمحاسبة والمراقبة بالرغم من ترسانة القوانين المتوفرة بالمنظومة التشريعية التونسية من خلال مجلة الشغل الصادرة سنة 1966 والمنقحة سنة 1996 ومجلة حماية الطفل الصادرة في 09 نوفمبر 1995 والقانون التوجيهي لسنة 2002 المتعلق بالتربية والتعليم المدرسي، علاوة على الأدوات الدولية المصادق عليها كالإتفاقية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسِنّ الاستخدام والاتفاقية رقم 182 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الضرورية للقضاء عليه والاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان غياب إحصائيات دقيقة وتشارك تونس المجموعة الدولية لإحياء اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال والذي أقرته منظمة العمل الدولية يوم 12 جوان من كل سنة وذلك بداية من 2002 وقد أختير موضوع هذه السنة للتصدّي لعمل الأطفال بالمنازل. يبقى السؤال المطروح كيف السبيل للتصدي لهذه الظاهرة وغيرها من ظواهر استغلال الطفل وتطبيق القانون ومراقبة مدى تفعيله؟ أجمع حقوقيون وممثلو مكونات المجتمع المدني إلى جانب الفاعلين في قطاع الطفولة ممن تحدثوا ل»الصباح» على أن أبرز الإشكاليات في هذا الصدد هو غياب الإحصائيات والأرقام الدقيقة المشخصة لواقع هذه الظاهرة التي على ضوئها يمكن وضع الحلول وبناء استراتيجيات للمكافحة والمعالجة، فلا يمكن، على حد قول كل من عائدة غربال مسؤولة عن برنامج حماية الطفولة ب»اليونيسف» ومعز الشريف رئيس الجمعية التونسية لحماية حقوق الطفل ومهيار حمادي المندوب العام للطفولة، من التصدي لظاهرة تشغيل الأطفال في غياب إحصائيات ومؤشرات دقيقة تبرز حجم الإنتهاكات وتوزيعها الجغرافي وسن الأطفال المعنيين وظروفهم الإجتماعية ومدى تطور هذه الظاهرة وأسبابها ومسبباتها. فظاهرة استغلال الطفل اقتصاديا قديمة متجددة ولكنها بقيت من المواضيع المحظورة إلى درجة أنها تجذرت في عقلية التونسيين كما بين المندوب العام للطفولة، «فحالات الإشعار قليلة في هذا الصدد وقد تعود أسبابها إلى غياب حس المواطنة من جهة وتجذر عقلية المحاباة من جهة أخرى والخوف من ردود الأفعال بين التونسيين وأرباب العائلات والجيران من جهة ثالثة خاصة فيما يتعلق بعمل البنات في المنازل» تفشي الظاهرة.. مع ترسانة قوانين إلى جانب عدم توفر الإحصائيات والدراسات تبرز إشكالية ثانية في موضوع تشغيل الأطفال ألا وهو غياب عملية التفقد والمراقبة والإبلاغ والإشعار، وهي مسألة بديهة برأي معز الشريف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل «مادامت عائلات الأطفال والعائلات المشغلة متواطئة في هذا الانتهاك وهنا للسائل أن يتساءل من سيقوم بإيصال المعلومة في ظل تواجد وكالات وساطة مساهمة في هذه العملية» أمام مجمل هذه التساؤلات تبدو الحلول واضحة أمام متحدثي «الصباح» والتي يجب أن تنطلق أولا بإعداد الدراسات وتشخيص الواقع حيث دعت عائدة غربال المسؤولة عن برنامج حماية الطفولة ب»اليونيسف» الباحثين والجامعيين للقيام بهذه المهمة إلى جانب مختلف مكونات المجتمع المدني ذات الإختصاص، أما المسألة الثانية التي اعتبرها معز الشريف مسألة مصيرية لحماية حقوق الطفل هي «بعث هيكل مستقل توكل إليه مهمة مراقبة تفعيل القوانين وتطبيقها على أرض الواقع بالرغم من أن التشريع التونسي ينقصه التنصيص على مصطلح الحقوقي «الطفل الضحية» حتى يتمكن كل متتبع لانتهاكات حقوق الطفل من تشخيصها ومن ثمة الإلتجاء إلى القضاء لتحديد المسؤوليات، أما المسألة فتهم التصدي لظاهرة الإنقطاع المبكر عن الدراسة والذي يترواح سنويا بين 60 و80 ألفا»