شهدت أشغال البرلمان التونسي تراخيًّا ملحوظا منذُ المصادقة على قانون المالية، بسبب تراجع حضور النواب في أشغال الجلسات العامة واللجان الخاصة، وتسبب غياب النواب في مُناسبات كثيرة في سقوط مشاريع وقوانين وفي التأثير على سيرورة العمل داخل مجلس نواب الشعب الّذي لم ينجح إلى حدّ ما في التصدّي لهذه الظاهرة رغم أن الدروة البرلمانية الحالية هي الخامسة والاخيرة في عمل مجلس الشعب الذي تم انتخابه في 26 اكتوبر 2014. وأعلن رئيس الجلسة العامة عبد الفتاح مورو صباح اليوم الأربعاء 3 أفريل رفع الجلسة العامّة لاستئنافها لاحقا بسبب عدم اكتمال النصاب اثر تغيب 190 نائبا وحضور 26 نائبا فقط من أصل 216، في جلسة مخصصة لإعادة النظر والمصادقة على مشروع قانون متعلق بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد والباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي. ولم يستطع مجلس الشعب تجاوز عقبة الغيابات المتكررة واللافتة للكثير من النواب، مما أثر على دوره التشريعي والرقابي ، حيث انتشرت ظاهرة الغيابات في صفوف أغلب الكتل واضحت بعض اللجان تلتئم بثلث عدد أعضائها وأحيانا يكون ممثلي المجتمع المدني داخل القاعة اكثر بكثير من عدد النواب. وفي تقرير نشرته شهر مارس الماضي، كشفت منظمة “البوصلة” عن جملة من الاخلالات خلال عمل مجلس نواب الشعب، في النصف الأول من الدورة البرلمانية، تمثلت، اساسا، في تسجيل 102 ساعات تأخير في الجلسات العامة، و212 ساعات تأخير في اللجان، حسب ما جاء في تقرير نشرته المنظمة في إطار تقييمها لأشغال مجلس النواب، للفترة من أكتوبر 2018 إلى فيفري 2019. وأظهر تقرير المنظمة تقلّبات غير مسبوقة في تركيبة الكتل، وانشقاقات وانصهارات وتغير للأغلبية الحاكمة طبعت بداية الدورة البرلمانية الخامسة، وأثرت بشكل ملحوظ على مردود المجلس، إذ عطلت تركيز اللجان، وأدت إلى تغيير مستمر في تركيبتها بما يساهم في عرقلة المسار التشريعي والتأثير على جودة النصوص القانونية. كما بين التقرير تفاقم ظاهرة غياب النواب، وقد أدت غيابات النواب إلى سقوط قوانين كثيرة، واعتبر المنظمة أن المجهود التشريعي للمجلس يبقى دون المأمول رغم المصادقة على عدة مشاريع قوانين، على غرار مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري وقانون هيئة حقوق الانسان وتنقيح قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال ومشروع القانون الأساسي للميزانية، مشيرا إلى أنه من بين 35 من مشاريع القوانين تمت المصادقة عليها، توجد 16 اتفاقيات قروض. ويرى تقرير منظمة “البوصلة”، أن المسار الانتخابي للمجلس شديد التعثر، إذ باستثناء تجديد ثلث أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وانتخاب رئيس لها، ومن بين 5 هيئات دستورية مستقلة، لم يشرع المجلس في مسار انتخاب المجالس سوى في اثنتين منها (هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة حقوق الإنسان)، في حين ما تزال القوانين المنظمة لهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة، وهيئة الاتصال السمعي البصري قيد النقاش. كما لم ينجح مجلس نواب الشعب بعد في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، رغم أن الدستور حدّد أجلا لا يتجاوز السنة لإرسائها بعد أول انتخابات تشريعية. يذكر أنّ مشروع القانون المتعلق بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد والباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي، كان قد أسقط في جلسة عامة عقدت منذ 3 أشهر بسبب غياب نواب مجلس الشعب. وكات منظمة “البوصلة” قد كشفت في تقرير نشرته نوفمبر 2018 ان جملة الاقتطاعات بالنسبة إلى 17 نائبا بمجلس نواب الشعب، طيلة الفترة الممتدة من جويلية 2017 إلى جويلية 2018، بلغت 81 دينارا وهو ما يعني اقتطاعا لا يتجاوز 4 دنانير و 800 مليم لكل نائب متغيب.