في مثل هذا اليوم الثلاثاء 1 اكتوبر 1985، تجاوزت الطائرات الصهيونية الأجواء التونسية لتقصف مدينة حمام الشط مستهدفة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ومخلفة وراءها 50 شهيدا فلسطينيا و18 شهيدا تونسيا و100 جريح وخسائر مادّية فادحة، في تجاوز صارخ لكل الاتفاقيات الدولية. مرّت 34 سنة على حادثة اختلاط الدم التونسي بالدم الفلسطيني بعد 3 سنوات من قدوم منظمة التحرير الفلسطيني إلى تونس بعد جريمة صبرا وشتيلا في سنة 1982 لتحدث جريمة أخرى بحقّ التونسيين والفلسطنيين من الكيان العدواني. وجرت عملية حمام الشطّ بعد أن نفّذت عناصر من منظمة التحرير عمليّة انتقاميّة، إذ تعقّبت أهم أعضاء الموساد الذين كانوا يقومون بتصفية واعتقال القادة الفلسطينيّين، حيث قام 3 فدائيين في 25 سبتمبر 1985 باقتحام اليخت “فيرست” في ميناء لارنكا القبرصي وقاموا بالقضاء على 3 عملاء من الموساد. وقد أحدثت هذه العملية صدمة عنيفة لدى ” الموساد ” وأوساط المخابرات الإسرائيلية، فقرّرت الحكومة الصهيونيّة القضاء على جميع قادة منظمة التحرير الفلسطينيّة وعلى رأسهم رئيسها ياسر عرفات. بدأت الحكومة الصهيونيّة بالإعداد للتنفيذ وتمكنت من الحصول على صور أقمار صناعية دقيقة عبر محلل في المخابرات العسكرية الأميركية، كُشف فيما بعد وحكم بالسجن مدى الحياة في الولاياتالمتحدة. وقد أطلقت إسرائيل على هذه العملية اسم “عملية الساق الخشبية” حيث قام الموساد بالاستعانة بعملائه في تونس لتحديد تحركات القيادات الفلسطينيّة لتحديد موعد اجتماعهم بهدف القضاء عليهم مرّة واحدة. وكان الموعد يوم غرّة أكتوبر، تتزامنا مع دعوة ياسر عرفات القيادة العسكرية لعقد اجتماع بتونس، وبالتحديد مقرّ “القوّة 17” في حمّام الشط، وبدأ أعضاء هذه القيادة من كبار الضباط يتوافدون على تونس. وتشير المعطيات التاريخية إلى أن المخابرات الإسرائيلية تعقبت القيادات الفلسطينية بطريقتها الخاصة من رصد هذا الاجتماع ومعرفة كافة تفاصيله ولذلك قررت مهاجمته بهدف القضاء على قيادات المنظمة وعلى رأسهم رئيسها ياسر عرفات، إلا أنّ قرار تأجيل الاجتماع أفشل خطتها. وصل ياسر عرفات إلى تونس يوم 30 سبتمبر قادما من المغرب، واتجه مباشرة إلى مقر إقامة السفير الفلسطيني بتونس بمدينة المرسى حكم بلعاوي من أجل إجراء بعض المشاورات والنقاشات، وبسبب تأخر الوقت لم يتحول عرفات إلى مقر إقامته بحمام الشط وخيّر المبيت في بيت السفير، وفي الصباح استيقظ متأخرا وطلب تأجيل الاجتماع فتفرقت القيادات الفلسطينية التي كانت بانتظاره حتى تعيد التجمّع لاحقا، لكن إسرائيل لم تكن على علم بهذا التأجيل. وأعلن الكيان الصهيوني مسؤوليته عن الغارة، مشيرا في الآن ذاته إلى أنه قام بها “في إطار حق الدفاع عن النفس”فيما تحرّكت الدبلوماسية التونسية بشكل مكثّف في الأوساط الدولية من أجل إصدار قرار يدين الكيان الصهيوني. ورغم ذلك فشلت تونس في انتزاع إدانة لإسرائيل من مجلس الأمن بعد فيتو أمريكي منع صدور قرار يلزم الإسرائيليين بالاعتذار والتعويض لتونس، فهدّد الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك بقطع علاقات تونس الدبلوماسية مع الولاياتالمتحدة التي تراجعت فيما بعد ليصدر مجلس الأمن القرار عدد 573 والذي جاءت فيه أول إدانة منه لإسرائيل.