الشواطئ الرملية في تونس: لماذا التيارات الساحبة أكثر نشاطًا هناك؟    نحو اقرار تخفيضات في المطاعم السياحية للتوانسة وولاد البلاد...تعرف على التفاصيل    نابل: الحشرة القرمزية تغزو الشوارع والمنازل وتهدد غراسات التين الشوكي    بيان مفاجئ من وزارة الأوقاف المصرية بعد وفاة ديوغو جوتا    فنانة مصرية تستغيث عبر بث مباشر من برلماني سابق    قمة نار في مونديال الأندية: كلاسيكو، ديربي، ومفاجآت تستنى!    بُشرى سارة للتوانسة: السخانة بش تبرد شوية والأجواء تولّي أرحم..بداية من هذا اليوم    فضله عظيم وأجره كبير... اكتشف سر صيام تاسوعاء 2025!"    رد بالك تغلط وتخلي الشبابك ''محلول'' في هذا الوقت ... الصيف هذا ما يرحمش!    هل'' الميكرووند'' قنبلة صامتة في مطبخك؟ إليك الحقيقة التي لا يخبرك بها أحد!    تحب الماكلة الكلها هريسة؟ صحّح المعلومة قبل ما تمرض    .. الجزائري بلايلي يستفز الفرنسيين بعد حادثة الطائرة    نيس الفرنسي يضم حارس المرمى السنغالي ديوف لمدة خمس سنوات    بداية من 6 جويلية 2025: شركة نقل تونس تخصص 10 حافلات خاصة بالشواطئ    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    حمدي حشاد: البحر تبدّل.. أما ما تخافوش، عوموا أما التزموا بالنصائح هاذم    جريمة مروعة: شاب ينهي حياة زوجته الحامل طعنا بالسكين..!!    عاجل/ هذا ما تقرر بخصوص اضراب الأطباء الشبان..وهذه التفاصيل..    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    منظمة الأطباء الشبان ووزارة الصحة تتوصلان إلى اتفاق يستجيب لأغلب مطالب الأطباء    عاجل/ هجوم داخل قطار في ألمانيا..وهذه جنسية منفذ العملية..    شنوة صار في مفاوضات الزيادة في القطاع الخاص.. الاتحاد يوضح    تشريعات جديدة لتنظيم التجارة الإلكترونية في تونس: دعوات لتقليص الجانب الردعي وتكريس آليات التحفيز    ترامب يتوقع رد "حماس" خلال 24 ساعة على مقترح وقف إطلاق النار    روسيا تشن هجوما جويا غير مسبوق على أوكرانيا    لقاء تشاوري بين مجموعة التعاون البرلماني مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإطارات من وزارة الخارجية    المنستير: الاتحاد الجهوي للفلاحة يطالب بمد فلاحي المناطق السقوية العمومية بالجهة بكمية 500 ألف م3 من المياه للانطلاق في الموسم الفلاحي 2025-2026    هولندا تُشدد قوانين اللجوء: البرلمان يقر تشريعات مثيرة للجدل بدفع من حزب فيلدرز    اتصلوا بكل احترام ليطلبوا الإذن.. ترامب: سمحت للإيرانيين بإطلاق 14 صاروخا علينا    قيمته 30 مليونا.. بطاقة ايداع بالسجن ضد معينة منزلية سرقت مصوغ مؤجرتها    المانيا.. سباحون يواجهون "وحش البحيرة" بعد تجدد الهجمات    رسميا.. ليفربول يتخذ أول إجراء بعد مقتل نجمه ديوغو جوتا    رجيم معتوق: تحذيرات من حشرة منتشرة على الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس    النجمة أصالة تطرح ألبوما جديدا... وهذا ما قالته    عاجل: وزارة الصحة تدعو المقيمين في الطب لاختيار مراكز التربص حسب هذه الرزنامة... التفاصيل    فضيحة السوق السوداء في مهرجان الحمامات: تذاكر تتجاوز مليون ونصف والدولة مطالبة بالتحرك    تاريخ الخيانات السياسية (4)...غدر بني قريظة بالنّبي الكريم    «شروق» على مونديال الأندية: الهلال لمواصلة الزحف ومواجهة «ثأرية» بين بالميراس وتشلسي    بعد أيام من زفافه .. وفاة نجم ليفربول تَصدم العالم    صيف المبدعين...الكاتبة فوزية البوبكري.. في التّاسعة كتبت رسائل أمي الغاضبة    حلمي ان اكون طبيبة وان اكون في خدمة الانسانية (الاولى وطنيا في مناظرة"النوفيام")    على خلفية وشاية كاذبة: تمديد الإيقاف التحفّظي للنائب السابق الصحبي صمارة    دعا إليها الرئيس خلال استقباله رئيسة الحكومة: حلول جذرية لكلّ القطاعات    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    عمرو دياب يفتتح ألبومه بصوت ابنته جانا    بداية من الأحد 6 جويلية: توفير 10 حافلات خاصة بالشواطئ    63.07 بالمائة نسبة النجاح في "النوفيام" وتلميذة من المنزه 5 تتصدر الترتيب الوطني بمعدل 19.37    المنستير: برمجة 11 مهرجانًا و3 تظاهرات فنية خلال صيف 2025    لطيفة العرفاوي تعلن:"قلبي ارتاح"... ألبوم جديد من القلب إلى القلب    منوبة: تقدّم موسم الحصاد بنسبة 81% وتجميع قرابة 320 قنطارا    عاجل/ جريمة مروعة تهز هذه الولاية: شخص يقتلع عيني زوجته..!    تنظيم سهرة فلكية بعنوان 'نظرة على الكون' بقصر اولاد بوبكر بمنطقة البئر الاحمر بولاية تطاوين    عاجل : طلاق بالتراضي بين فوزي البنزرتي و الاتحاد المنستيري ...تفاصيل    مرتضى فتيتي يطرح "ماعلاباليش" ويتصدّر "يوتيوب" في اقلّ من 24 ساعة    "فضيحة": لحوم ملوثة تتسبب في وفاة طفل وإصابة 29 شخصا..#خبر_عاجل    بشرى سارة لمرضى السرطان..    3 حاجات لازم تخليهم سرّ عندك...مش كلّ شيء يتقال    ماهر الهمامي يدعو إلى إنقاذ الفنان التونسي من التهميش والتفقير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الثورة: تأمّل في مشروع ثورة الياسمين
نشر في الشاهد يوم 17 - 01 - 2020

ستّون سنة ونيف من الاستقلال ومنها زهاء عقد من الثورة التونسية أو ما سُميّ بثورة الياسمين. هل يُمكن أن نحتفل؟ وبماذا نحتفل؟ وهل يُمكن القول إنّ ما ثُرنا من أجله هو مشروع ممكن التحقّق؟ وإذا سلّمنا بذلك إلى أيّ حدّ ممكن أن يتحقّق؟ بمعنى ما نسبة تحقّقه من نسبة فشله؟ وما الذي يقبل التحقّق من عدمه؟ هي أسئلة لابدّ أن نتأمّل فيها قبل أن نقيّم الثورة التونسية باعتبارها مشروعا أقبل عليه شباب تونس.
يقول الروائي الجزائري مالك حدّاد: لمَ تطرق كلّ هذا الطرق إنّني لم أعد أسكن هنا. ظنّ الكثير أنّ هذا حال الثورة التونسية، ثورة فقدت كلّ مقوّماتها وأهدافها بل حادت تمام الحياد عن مشروعها وباتت غريبة عن أرض تونس ولم تعد ترغب في الإقامة فيها فهجرتها دون رجعة.
هذا التفكير في رأيي عدميّ، وواهم من يعتقد أنّ كلّ ما ثُرنا من أجله قابل للتحقّق. لنعد إلى أسباب الثورة أوّلا. فقد ثار شباب تونس لأسباب ثلاث، أوّلها الحريّة السياسية، وثانيها الشغل وثالثها الكرامة. ولا تكون الكرامة طبعا إلاّ بالحرّية والشغل.
لا شكّ في أنّ الحرية مطلب أساسي تسعى إليه كلّ الشعوب ولاسيّما منها الشعوب العربية الّتي عاشت ظلما وقهرا قبل الاستقلال وبعده. فبعد تسلّط المستعمر وظلمه كان الحكّام العرب أكثر ظلما وأشدّ تسلّطا من المستعمر نفسه لكنّ الشعوب العربية قد أنهكتها الحاجة والتشتّت والتشرّد فرضت بأشباه زعماء على أن تنعم بالسّكينة والطمأنينة. وبعد أكثر من نصف قرن اشتدّ الظلم ولم يتحقّق مطلب الاستقلال الحقيقي على أنّ أنظمة الحكم قد جرّبت أكثر من منهج حكم من الاشتراكي إلى الليبرالي إلى القومي لكنّها تجارب حكم لم تجعل دولة عربية واحدة تصعد لتضاهي الدول الصناعية الكبرى اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا بل إنّها تأخرت عن الكثير من الدول الناشئة وتخلّفت عنها بعد أن كانت تقدّم لها المساعدات الغذائية إبّان الاستقلال.
وتوازى الفشل الاقتصادي مع الفشل الديمقراطي. فلم نشهد دولة من الدول العربية حقّقت مطلب الاستقلال الحقيقي ورفعت عن مواطنيها الظلم والقهر والاستغلال إذ من يتولّى الحكم يأبى الخروج عن السلطة فاستمرّت بعض تجارب الحكم ما ينيف عن نصف قرن.
كلّ هذه المعطيات أدّت إلى أشكال مختلفة من العصيان والتمرّد والفتنة و الفوضى والاحتجاج والمطالب والثورة والإضرابات من قبل الشعوب وإلى الانقلاب والاغتيال من قبل بعض الجيوش أو الأشخاص والعصابات.
وعلى الرّغم من الرّغبات المتتالية في التغيير الحقيقي والجذري فإنّ هذه المحاولات برمّتها قد فشلت فبقيت الشعوب تحت وطأة الظلم والقهر إلى أن اندفعت براعم الياسمين ذات شتاء لتزهر نسائم الربيع العربي. وهي نسائم اجتاحت الحدود لتنتشر شرقا وغربا. فما الذّي يميّز هذه الثورة عن غيرها؟
لعلّ أبرز ما يُميّز هذه الثورة أمران: الأوّل أنّه حراك شعبي بامتياز لم يكن بدافع جهة أو منظّمة حزبية أو جمعياتية داخلية والثاني هو انتشار عدواها شرقا وغربا. لذلك ارتبك الجميع فأعادت ترتيب المشهد السياسي من جديد. ومن مظاهر الجدّة الحقيقية أنّها سمحت لأحزاب كانت محظورة المشاركة بشكل فعلي في الحكم ومنها الأحزاب الإسلامية.
هذا هو الوجه الحقيقي لنجاح ثورة الياسمين فما طالب به الشعب من حرّية سياسية قد تجسّد فعلا على أرض الواقع. فأفرزت الانتخابات مشهدا تتقاطع فيه ثلاث قوى كُبرى وهو التيار اليساري بمختلف أطيافة والتيار الليبرالي الممثل في الأحزاب الدستورية أساسا ثمّ التيار الإسلامي بشقيه المحافظ والثوري. وهذا المشهد السياسي المتنوع، في نظري، لو طُبّق واقعيا وفعليا لكان المسار الديمقراطي أكثر نجاعة ثمّ إنّ عدم قدرة الإسلاميين الوصول إلى الحكم بشكل انفرادي لم يسمح الوقوف موقفا نقديا فعليا من تجربة حكمهم وهو ما جعل توافقهم في مستوى الحكم مع تيارات مخالفة لأفكارها يؤدي إلى الارتباك أو ربّما الإرباك. وعلى الرغم من كلّ هذا فإنّ التجربة السياسية شهدت الكثير من الصراعات والعديد من التوافقات أدّى إفراز دستور تونسي يجتمع فيه اليساري مع اليميني ويحقّق مطلب هذا وذاك. لعمري فإنّ هذا يُعدّ من الإنجازات الحقّ. ومن المكاسب السياسية الأخرى ذات الأهميّة هو تنوّع المشهد السياسي فلم يعد الوصول إلى البرلمان حكرا على فئة بعينها ليشمل البرلمان المثقّف والعامّي، رجل الأعمال والمعطّل عن العمل، المرأة والرجل، الشّباب والشيوخ… ولعمري فإنّ هذه لمن المكاسب الكبرى تدفع بالشعب القدرة على تقييم أعضاء المجلس كما أعضاء الحكومة وإبداء الرأي في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ومن جهة أخرى فإنّ الجميع يصبّ كلّ سخطه على الفشل الاقتصادي. ولكنّي أرى رؤية مخالفة لكلّ تلك الرؤى لأنّ تغيير المنظومة الاقتصادية ليس بالأمر اليسير. ولكن ما أعدّه نجاحا هو تفطّن الشعب إلى المشكل الاقتصادي الحقيقي. فهل كان يعلم قبل الثورة بتوريد المواد الغذائية الاستهلاكية غير الصّالحة (القمح والبطاطا وغيرهما)؟ هل كان كان يُبدي رأيه في مسالك التوزيع؟ ثمّ إنّ ما يعتبره البعض غلاء في الأسعار فإنّه في نظري علامة على ازدهار السّوق الاقتصادية لا على ركودها لأنّ الاستهلاك قد ارتفع فطبيعي أن يواكبه ارتفاع في الأسعار. ولكن ما يُمكن الإقرار به فقط هو ضعف تدخّل الدّولة في بعض السّلوكات العشوائية.
لا يُمكن الحديث عن الثورة في مقال يتيم، غير أنّنا نظرنا إليها من وجهة نظر بعينها. فالكرامة في رأيي لا يكون بإشباع البطون بل بإشباع العقول. لأنّ التخمة كما يقول الجاحظ تذهب الفطنة. فآمل ألاّ نصل إلى تلك التخمة الّتي بمقتضاها نكون أسرى لإشباع رغباتها والغفلة عن تأسيس وطن حقيقي يلتقي فيه اليساري مع اليميني وتتقاطع فيه مصالح الرأسمالي مع العامل البسيط. تلك هي كرامتنا الحقيقة وهو إنشاء دولة قوية على جميع الأصعدة لأنّ كرامة الوطن قبل كرامة الفرد وكرامة الفرد من كرامة الوطن.
منجي الأشعاب، أستاذ وباحث في اللّسانيات وتحليل الخطاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.