عيد بأيّة حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟ بيت شعر شهير للمتنبي أردته توطئة للحديث عن يوم شكّل علامة فارقة في تاريخ تونس وهو اليوم الذي انعتق فيه هذا الوطن من براثن استعمار جثم على الصدور لسنوات .. الاحتفال بيوم 20 مارس هذا العام سيكون مختلفا عمّا سبقه من السنوات فهو عيد ممزوج بطعم الثورة ونكهة الحرية ... وإذا كان أجدادنا ضحوا بالغالي والنفيس من أجل دحر الاستعمار الخارجي فإن ثوار الرابع عشر من جانفي تسلّحوا بالعزيمة لوضع حدّ لاستعمار داخلي جعل من التونسيين شعبا مسيّرا يحكمه دستور شكّل على مقاس الساسة مراعاة لمصالحهم السياسية على حساب شعب أراد الحياة فاستجاب له القدر في مناسبتين الأولى عام 1956 والثانية في 2011 عندما أسقط نظامين جائرين اجتمعت سياستهما على قمع التونسيين وقهرهم بيد أن هذا الشعب العظيم أثبت أن إرادة الشعوب لا تقهر وأن الأوطان لا تنمو ولا تزدهر إلا بعزيمة رجالاها ونسائها وشبابها المتعطّشين للحرية أكثر من توقهم للحياة ذاتها . في ذكرى الاستقلال علينا أن نتذكر الركائز التي قام عليها كل من الاستقلال والثورة وعلينا أن نعي الوسائل الكفيلة بحمايتهما معا فكلاهما يستندان إلى قاعدة واحدة ..بناء دولة متينة موحّدة وعادلة يعيش على أرضها مواطنون أحرار كرماء يسوسهم حاكم نزيه وعادل بعد أن جرّبوا معنى أن يعيشوا رهينة مستبدّ طامع حبيب الظلام عدوّ الحياة في ذكرى الاستقلال علينا أن نتعظ من دروس الماضي غير البعيد حتى لا تنقلب هذه الثورة وهذا النصر إلى النقيض ... فالمتربّصون كثر في الخارج كما في الداخل والعيون كلّها على هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة التي انطلق منها "تسونامي" ثورة لم يمسّ تيارها العرب فقط وإنما حرك بركا داخل مجتمعات غربية من المؤكد أن حكامها يسوءهم أن تزهر ثورتنا ثم تثمر . في ذكرى الاستقلال علينا أن نتذكر أن الهبّة الشعبية التي اجتثت نظاما ديكتاتوريا سرق وقتل وروّع واضطهد وأهان وأذلّ الكبير والصغير الشيب والشباب لا بدّ أن تحافظ أولا وأساسا على المبادئ التي قامت عليها والتي تأتي في مقدّمتها الكرامة والإنسانية ولا بدّ أن تقف في وجه كل من يحاول أن يعبث بمستقبل هذا البلد ومن يعتقد أنه بإمكانه استبلاه هذا الشعب الذي كره معاقرة الخوف ككرهه الالتفات إلى الوراء .. فهذه الثورة أرادها صناعها انطلاقة لمشروع نهضة يستجيب لمتطلبات العصر الحديث ويرفض جميع أوجه البطالة الحضارية في ذكرى الاستقلال علينا أن نغيّر نظرتنا لمفهوم الحرية التي لم نذق طعمها منذ عقود .. ولن نتلذذ نكهتها إلا متى مهّدنا لها أرضية قوامها الصدق ,الشفافية في التعامل ومراعاة مصلحة الشعب.. ما سبق لا يمكنه أن يتحقق إلا متى اجتثثنا, الفساد ,الفوضى,الحسابات الضيّقة,النفاق,الركوب على الأحداث ,إشعال الفتن للتستّر على الملفات السوداء ... ومتى أنجزنا كلّ هذا فذلك يعني أننا دخلنا عصر الاستقلال الحقيقي.