استطاعت حركة النّهضة دون كل الأحزاب وبشهادة مراقبين الثّبات في الوسط السياسي رقما يصعب تغييره، حتّى أن خصومها من السياسيين وناقديها يشهدون لها يجديّتها وتماسك قياداتها، الأمر الذي جعلها تتحكم في الكثير من المناسبات بزمام المبادرة . وأظهرت الصورة المتداولة صباح اليوم الخميس 06 فيفري 2020 من منزل راشد الغنوشي، مدى قدرته على تجميع الفرقاء السياسيين في إطار فكرة الوحدة الوطنية. ونقلت الصفحة الرسمية للغنوشي صورة اللقاء الذي جمعه بدعوة منه، صباح اليوم بإلياس الفخفاخ رئيس الحكومة المكلف ونبيل القروي رئيس حزب قلب تونس. واعتبر البلاغ الصحفي لمكتب الغنوشي أنّ اللقاء الذي نظّم من أجل توضيح المواقف وتقريب وجهات النظر “كان إيجابيّا وبنّاءً”. وهو ما أكّده إلياس الفخفاخ أيضا، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. ويرى راشد الغنوشي أنّ المشاورات السياسية الجارية حول تشكيل الحكومة، يجب أن تكون ضامنة لاستقرار سياسي لعمل الدولة، ولتنفيذ الاستحقاقات الدستورية المتعثرة مثل المحكمة الدستورية وسد الشغورات بهيئة الانتخابات. وهو ما يتطلب أوسع توافق ممثل بكتل نيابية يضمن تسهيل عمل الحكومة. وتبدو حركة النهضة في أدائها السياسي غير معنيّة بالتسرّع في تسجيل النقاط العاجلة في صالحها أو ضد خصومها. وقد خرج رئيس الحركة راشد الغنوشي ليلة سقوط حكومة الحبيب الجملي في ديسمبر الماضي، غير متأثر بما حصل، بل إنّه حمّل مسؤولية النتيجة لرئيس الحكومة المكلف لمنهجيته الخاطئة وتخليه عن الحزام السياسي للأحزاب، وخاصة رؤية حركة النهضة في التفاوض. وقد أتاحت تنازلات الحركة التفاوضية أمام الرأي العام، الاطلاع على عديد التناقضات في ممارسات خصومها وخطاباتهم. وإلى جانب ذلك، ظلّ خيار التوافق الذي يتمسك به راشد الغنوشي ضامنا للالتقاء مع أكثر من طرف سياسي يرغب في ذلك، وهو ما جعل التحالفات التي قامت على مناوأة النهضة تنحلّ بانقضاء مناسبات تشكيلها، ويتخلّى بعض المشاركين فيها عن النزعة الإقصائية. وشدّد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في حوار على قناة حنبعل مساء الأربعاء 5 فيفري 2020، على أن التوافق ضروري لتونس والإقصاء طريقه مسدودة. وفي هذا السياق، قال الناشط الإعلامي برهان بسيس في مداخلة عبر أمواج إذاعة ifm إن الحديث عن ضعف حركة النهضة هو أمر مغلوط، متابعا النهضة ليس مجرد مقرات متفرقة وإنما هي ماكينة قوية متغلغلة في البنية الاجتماعية والاقتصادية في تونس. وأضاف برهان بسيس أنّ حركة النهضة تعمل بجد والحديث عن خلافات داخلها هو مجرد لغو، لأن تلك التجاذبات عادية في النهضة وهي تشير إلى انتصارها والخلاف السياسي الداخلي. وتابع برهان بسيس “النهضة تمكنت من السيطرة على دواليب الدولة في ظل كسل الأحزاب ونحن بقي لنا شتم الغنوشي”. ورغم الإيحاءات التي تبدو كأنّها تخويف من حركة النهضة في ما قاله بسيس، إلاّ أنّ واقع كونها الحزب السياسي الوحيد المهيكل على الأرض، لا يمكن إنكاره، وهو ما يجعل أي طرف له رهانات سياسية حقيقية في البلاد، لا يمكنه الاستغناء عن الحوار مع هذا الحزب الأول في البلاد. وكانت حركة النهضة من أولى الأحزاب التي أكدت جاهزيتها لانتخابات مبكرّة، إن فشل المكلف بتشكيل الحكومة الياس الفخفاخ في مهمته. وتعود ثقة الحزب وفق مراقبين إلى ثبات قاعدته الانتخابية، وقد برهن على ذلك بنجاحه في الانتخابات البلدية الجزئية مؤخرا، في الدندان ونفزة ورقادة. وقدمت كتلة حركة النهضة في مجلس نواب الشعب، الأسبوع الماضي، مبادرة لتنقيح القانون الانتخابي بكيفية تحول دون إعادة مشهد برلماني مشتت كالبرلمان الحالي، وقد تتمّ إعادة إحياء القانون المتعلق بتنقيح قانون الانتخابات الذي يهم أساسا الترفيع في العتبة الانتخابية من 3 بالمائة إلى 5 بالمائة. وقد راسلت لجنة النظام الداخلي بمجلس نواب الشعب رئيس الجمهورية قيس سعيّد للاستفسار حول ما إذا كان سيختم القانون الانتخابي المنقّح الذي أحيل على أنظار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ولم يقم بإمضائه في جوان الماضي. وشدّد الناشط السياسي الصحبي بن فرج في تدوينة نشرها أول أمس الثلاثاء على صفحته الرسمية على فايسبوك تعليقا على تعثر مسار تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ على أن حركة النهضة تملك زمام المبادرة وهي الحزب الوحيد الذي له خيارات عديدة .وتابع بن فرج معلّقا “ماذا سنفعل نحن العائلة التقدمية الوسطية، سنواصل الى آخر لحظة الركض وراء الفعل السياسي لحركة النهضة.” وتظهر ردود الأفعال على لقاء اليوم الذي رتّبه الغنوشي، أنّ آثاره في المشاورات الجارية ستكون إيجابية، فقد أكّد القيادي في التيار الديمقراطي في تصريح صحفي أنّ رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ أعلمهم مسبقا بنيته الاجتماع بنبيل القروي ولم يعترضوا على ذلك، كما رحّب أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي باللقاء باعتباره “مطلوبا لحلحلة الوضع”.