“وحدها الكورونا نفّذت الحجر الصحي الشامل بالبلاد” .. “الكورونا في حد ذاتها تبيع الملسوقة في الأسواق”.. بجمل ساخرة ترافقها صور لأسواق تعج بمرتاديها انتقد التونسيون حالة الاكتظاظ والتزاحم التي شهدتها الأسواق في جميع أنحاء البلاد. “قضية رمضان” هي الدافع الأساسي للهبّة الاستهلاكية الشعبية لجميع المواد الغذائية المعروضة وبكميات خيالية فترى المتبضع يتكبد عناء حمل “قفته” التي فاق وزنها قدرته على الحمل. ظاهرة التهافت على الاستهلاك تحيلنا على مفارقة يصعب تفسيرها ففي الوقت الذي يشكو فيه التونسي من تداعيات الحجر الصحي الشامل على مورد رزقه ومن ضعف مقدرته الشرائية واهترائها تسجل الأسواق والمحلات التجارية إقبالا كثيفا حتى أن العديد من المواد الغذائية شهدت نقصا حادا والبعض الآخر اختفى بالمرة. مفارقة الإقبال المتزايد على المواد الاستهلاكية مع حلول شهر رمضان سلوك اعتاده التونسي منذ سنين، رغم تحذيرات المنظمات المدنية من تبعاته السلبية على ظاهرة الاحتكار والترفيع في الأسعار لكن الخطير هذه السنة هو تزامن الازدحام في الأسواق والمحلات التجارية مع انتشار وباء خطير بالبلاد ومع فرض إجراءات الحجر الصحي الشامل. وسلط رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعدالله الضوء على المفارقة التي يعيشها الشعب التونسي الذي يشكو من جهة اهتراء مقدرته الشرائية ويطالب بإعانة من الدولة ويقبل من جهة أخرى على المواد الاستهلاكية بطريقة عشوائية. وفسر سعدالله هذه المفارقة بانقسام المجتمع التونسي إلى شريحتين، الأولى مترفهة وحالها ميسور بما يمكنها من اقتناء “قضية رمضان” بكميات وافرة ومتنوعة. والشريحة الأخرى ظروفها صعبة وبالكاد تتمكن من اقتناء المواد الأساسية كالزيت والمعجنات حتى أن ازدحامها يكون في أغلب الأحيان بطوابير توزيع الإعانة وليس بالأسواق. التهافت على الاستهلاك وتبعاته السلبية “لم أتمكن من استيعاب ظاهرة الإقبال المفرط على الاستهلاك بحلول شهر رمضان ولطالما طرحنا السؤال نفسه في المنظمة “هل ستغلق الأسواق والمحلات التجارية والخضار والقصاب في أيام رمضان الأولى.. لماذا لا يكون نسق الاستهلاك عادي…” يؤكد سليم سعدالله أن المنظمة طرحت هذه الأسئلة على العديد من المواطنين في استبياناتها لكن ما تم استنتاجه هو أن التونسي لم يتمكن من التخلص من عاداته التي ألفتها عائلته. وأضاف رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في تصريح لموقع “الشاهد” أن توفير المؤونة لشهر رمضان معمول به منذ القدم. لكن الدافع هو عدم توفر المواد الاستهلاكية في الجوار وأن اقتناءها كان يستوجب التنقل لكيلومترات، إضافة إلى النقص في بعض المواد الغذائية على اعتبار أن نسق الإنتاج والتصنيع كان ضعيفا. لكن اليوم كل شيء متوفر ولا موجب لهذا التهافت. كما أكد المتحدث أن الاستبيان الميداني الذي أجرته المنظمة على عينة من مقتنيات المواطنين كشف أن أغلب التونسيين يتزودون بعشرات الكيلوغرامات من المعجنات وعشرات اللترات من الحليب وغيرها، خشية فقدانها من السوق، في حين أن ارتفاع الطلب هو المتسبب الرئيس في ندرة المواد الغذائية بالمحلات التجارية. ويفتح المجال حينها أمام المضاربة والترفيع في الأسعار وتخلق مشاكل على مستوى التزويد . مخاوف من العودة للوراء وأعرب سليم سعدالله عن مخاوفه من نتائج الاستهتار بإجراءات الحجر الصحي ومن عدم تطبيق شروط التباعد الاجتماعي في الفضاءات العامة والتي بلغت أوجها بحلول شهر رمضان. وفي المقابل أكد أنه من غير الممكن أن يتواصل نمط الاستهلاك على نفس النسق وأن عملية التزود في الأيام المقبلة ستكون بنسق عادي. كما شدّد على الدعوة إلى تفادي انتشار الوباء وتفادي خسارة المجهودات المبذولة طوال الفترة الماضية. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأسواق شهدت احتقانا على خلفية تدخل الوحدات الأمنية لمنع الانتصاب الفوضوي.