التعصب ، الأجندات الخاصة ، الكبرياء الزائفة ، الغرور ، الحقد ، الانتهازية..وغير ذلك من العبارات المعطوبة التي ما خالطت فعلا ولا شخصا ولا جماعة ولا حتى دولة الا وخلخلت توازنها وأحالتها او كادت على الفناء والخراب ، هذه العبرات ترجمت في بلادنا الى سلوك تلبّس العديد من الشخصيات والهيئات والأحزاب والفعاليات ، واسهم بشكل كبير في عملية نكوص مفضوحة شهدتها الساحة التونسية . قد تكون أجندات كثيرة تغيرت وتباينت خيارات الأحزاب ودخلت عوامل أخرى أحدثت الجفاء وبعثرت الأوراق وأعادت ترتيب الأولويات ، فتوترت علاقة هذه المجموعة بتلك والتحقت هذه الشخصية بأولئك وابتعد ذلك القطب عن ذاك واقترب من هذا ، مع كل هذه العوامل يبقى الأمر في إطار إعادة الانتشار للحسابات السياسية والثقافية والاجتماعية ، ولا احد يمكنه الاندهاش او الاستنكار بشدة موجات الاحتكاك التي تطورت في الكثير من الأحيان لتتخذ شكل البغضاء والكراهية بين مختلف الفرقاء السياسيين خاصة، فالعديد من التجارب السياسية عبر العالم عايشت مثل هذه الحالات بما فيها تلك التي استجمعت شروطها وبلغت أشدها واستكملت مسارها ، وكانت جميع مداولات التجاذب والصراع والتدافع تدور بعيدا عن المشترك وفي كنف الاحترام للثابت والمجمع وبانضباط كامل أمام القواسم. لكن ما قامت به بعض النخب في تونس يتطلب استدعاء جميع عبارات التنديد والاستنكار والاستهجان ومزجها للخروج بعبارة موحدة قادرة على توصيف الواقع بشكل مشبع ، فبعملية عرض بسيطة سنكتشف فاجعة اقترفتها بعض الأحزاب والنخب التي تجاوزت الفجور في خصامها واستعملت المخزون الحضاري لبلادنا بشكل مهين في عراكها القذر المجنون ، ومدت أياديها الى الأشياء الجميلة والى تحف البلاد وايقوناتها ونياشينها فلوثتها نكاية في في الوقائع التي أفرزتها اول انتخابات نزيهة نفذها الشعب التونسي على مر تاريخيه. الثورة ، سيدب بوزيد ، البوعزيزي ، 17ديسمبر ، العربة ، القصرين ، 14 جانفي ، بوزيان ، الشابي ، الجزيرة ، حاتم بن طاهر ، الشهداء ، ثورة الكرامة ، ثورة الياسمين ، ثورة الشعب ، الربيع العربي..هذه الأسماء البراقة التي تحيل على احد أروع مراحل حياة الشعب التونسي وأجمل حقبات الخضراء ، هذه الأسماء والعبارات التي كان يمكن ان ندرّسها للأجيال ونرصع بها كتب التاريخ ونزين بها محافلنا وننمق بها جلساتنا ونرددها على مسامع الدنيا ، هذا الرصيد الذي وهبه الله لنا من دون الشعوب أصبحت تتجاهله النخب وتغمزه وسائل الإعلام ، بل وأصبح عند العديد من الأحزاب معرة ومسبة ، ومرادف لأفظع الشتائم ، لقد تطوعت قوى الردة ووضعت شكيمة في رقاب جحافل من الأغبياء ثم ضربت بهم حصارا على ثورة العزة ، منارة الألفية الثالثة. قل للذين يتحركون حثيثا لإحياء الرش في سليانة الم يأتكم نبا شهداء القصرين الذين كانوا السبب في إخراجكم من جحوركم ومكنوكم من إحياء المناشط وتسيير المسيرات والحديث عن الانقلابات وتأسيس الأحزاب والجمعيات ، الم يكن أجدر بكم الإعداد للمهرجانات الضخمة لتخليد ذكرى أبناء حي الكرمة وفقراء حي الزهور الذين صدرت فيهم اوامر الطاغية وقرر رجمهم بالطائرات وإبادتهم بالقنابل ..لقد أرادوا من مدينة الشعانبي الشامخة ان تقيم لهم سراديب العزاء وتستقبل القميص الكاذب للحسن وتساعدهم على حرق البلاد، ولما استعصت علهم ذهبوا يبحثون في امان اخرى عن غبار الدم ورائحة الفتنة لتسعير مشروع الدمار. تحت رعاية التجمع قام بعض الأغبياء المنقعة أفئدتهم بالحقد الى مفاخر سيدي بوزيد ، البوعزيزي ، 17ديسمبر ، العربة ، القصرين ، 14 جانفي .. فطمسوها ، واستبدلوها زورا وبهتانا بعبارات ، الدساترة ، التجمعيين ، الغرياني ، كمال لطيف ، نسمة ، النقابات الأمنية.. قاموا بطي صفحة الثورة واحيوا ما قبلها ، وفي غمرة البغاء التاريخي أصبحت كل الصفحات نقية ، من أيام الباي الأخيرة الى مساء 13 جانفي ، ثم قالوا لنا ان تونس غرغرت صبيحة 14 جانفي ثم أسلمت الروح عشية ذلك اليوم وغرقت في الظلام . قصة عجيبة غريبة تحدث في بلادنا ، زرعنا في أرضنا بوعزيزي فنبت لطيف ! وزرعنا بن طاهر فنبت سبسي ! ودسسنا في أرضنا فسيلة اسمها يقين قرمازي فنبتت رجاء بن سلامة وسكبنا الدماء على ارض حي الزهور فاستحالت خمرا على ارض باردو! ليت شعري آألعيب فينا ؟ ام في أرضنا؟ في المزرعة ام في الزراع ؟ نصرالدين السويلمي