سلسلة من التساؤلات الطويلة تركها الخط التحريري للقناة الوطنية وحزمة من الأجوبة قدمتها هذه القناة دون ان تكلف السائل مشقة البحث والتنقيب، فالقناة التي شكلت وعلى مدى نصف قرن واجهة بورقيبة وبن علي في وجه الشعب اختارت منذ ايام السبسي الاولى ان تنحاز الى الجهة التي لا تبشر بتغيير السابق وتنفي عما وقع صفة الثورة وتعتبره احد اشكال الانتقال السلس من ديمقراطية ناشئة الى ديمقراطية نامية ، وعملت على إحباط اي محاولة لتصوير المشهد على انه اندحار دكتاتورية وقيام ديمقراطية ، وأسفرت القناة عن عداوة واضحة تجاه التركيبة الجديدة للسلطة واتضح ان منظومة بن علي الإعلامية تجاوزت الارتباك بعد ان تم تزويدها بجرعة قوية من الثقة خلال مرحلة الباجي قائد السبسي مكنتها من استعادة توازنها والأخذ من جديد بزمام المبادرة. القناة الوطنية الأولى لم تخرج الى الشعب وإرادته واختياراته "عيني عينك" إلاّ بعد تقهقر اليسار في انتخابات 23 اكتوبر وانسحابه من العملية السياسية وهروبه من ميدان المعركة الحقيقية وتقوقعه داخل النقابات وعلى رأسها اتحاد الشغل وداخل وسائل الإعلام وعلى راسها القناة الوطنية الاولى، وبانسحاب الاحزاب التي هشمتها نتائج الانتخابات من الساحة السياسية والتحاقها برجال الأعمال المنهمكين في برمجة الإعلام وتطعيمه وتأهيله استعدادا لاستعماله في حرب الاستنزاف يكون النصاب حينها قد اكتمل واستوى المشهد على سوقه، عندما توفرت السيولة المريحة للقناة الأولى وتبرع اليسار الراديكالي وبعض فصائل العلمانية المخضرمة بالغطاء السياسي أصبحت هذه القناة في حل من البوعزيزي وما تعلقت به من عبارات ومضامين وأهداف ومعطيات ومحطات ..وعادت الى منهلها القديم كما ان تونس لم تمر بزلزال 17 ديسمبر ولا هي شهدت تسونامي 14 جانفي الذي جرف الراس وابقى على الوثن. عندما تستريح الأحداث وتعبر تونس الى مأمنها وتاخذ التجربة الديمقراطية مسلكها السليم ونشرع في تقليب صفحات التاريخ بطمئنينة سيكتشف العاقل والساذج على حد السواء ان اخطر الجرائم واكبر المصائب لم تقع في عهد بن علي وانما وقعت خلال تلك المرحلة القصيرة التي حكم فيها الباجي قائد السبسي ، لقد اهدى الديمقراطية والاستقلالية لأجسام متعفنة منتهية الصلاحية وفوت للقضاء في استقلاليته بادوات بن علي وسلم الإعلام لإعلاميي الديكتاتور ، نجح السبسي بشكل كبير في تحصين الإعلام من الثورة حين أهدى الى فظاءاته ديمقراطية مطلقة تفوق ديمقراطيات باريس ولندن وستوكهولم ، وابقى على القراصنة والسماسرة داخل البنايات التي ترفرف فوقها إعلام الاستقلالية ، لقد عمد السبسي الى قنبلة موقوتة سامة ومدمرة فغلفها بغلاف جميل انيق ومرر عليها المسك وداعبها بالحجارة الكريمة ورشها بشئ من العطر الثمين وبعد ان امسك بالزرالقاتل قدمها هدية الى الوطن المغدور، ولسان حاله يقول هذا إعلامكم المستقل رد اليكم ..ايها الشيخ عفوا متى كان الإعلام اعلامنا ومتى يا شيخ حقق استقلاله ، ايها الشيخ المخضرم ، الإعلام إعلامكم و"الاغنان" أغنامكم حتى ياذن الله..او نهلك دون ذلك. نصرالدين السويلمي