لا يختلف اثنان في قيمة الأهداف التي رفعها شباب الثورة في مهد الثورة تونس ومن بعدها مصر غير أن الأحداث تسارعت ولم يقدر المتحكمون في قرارات حركة الإخوان في كلا البلدين علي مجاراة نسق الثورة فيما استفاد النظام القديم في كلا البلدين مع جهد متناغم لأطراف الثورة المضادة على مستوى الإقليم،في احتواء المطالب الثورية واستطاعت أجهزة المخابرات تحويل وجهة القضية وتصويرها علي أنها انقسام شعبي بين قوي إسلامية معادية للديمقراطية و قوي علمانية لم تسعفها الانتخابات الشعبية مبشرة بنظام ظاهره ديمقراطي وباطنه خطاب إقصائي فاشي مغرق في الرجعية والانتهازية في أوساط الثورة. فتعرض التنظيم الدولي للإخوان الي ضربات قاسية فزيادة علي عمق الفساد المستشري في دول عربية كثيرة على غرار تونس وسوريا وليبيا والأردن وفلسطين، ،فكانت الأولى بسقوط الجماعة في مصر، والثانية بفشل حركة النهضة في تسيير الفترة الانتقالية ثم رضوخه لمطالب المعارضة والاستعداد لتسليم الحكم إلى "مستقلين"، أما الضربة الثالثة، فهي وصم التنظيم المركزي والأقوى في مصر، ب"الإرهاب"، والاستعداد لملاحقته وربما اجتثاثه . ومهما كانت الضحايا و تعددت النتائج فان المستهدف الحقيقي هو شباب الثورة الذي طعن في مقتل باغتيال الحرية والديمقراطية أهم مكاسب الثورات وما الحرب الشاملة على الإخوان المسلمين الا مقدمة لاستئصال كل نفس ديمقراطي وحر حمائم الإخوان خذلت الثوار في تحقيق مطالبهم من عزل ومحاسبة واتجهت واهمة الي صوغ أفكار سياسية جديدة بدعوي الخروج "بإطار وطني جامع" وفق قواعد التغيير السلمي والإصلاح المتدرج والتشبيك التوافقي فيما تصاعدت أصوات قواعد الإخوان منادية بمراجعة العيوب الذاتية، وطرح بدائل فكرية وحركية تحتكم الي منطق الثورة لا وأدها . حمائم الإخوان لم تستوعب ان القبول باستعادة "الفلول" لمؤسسات الدولة ، وان كان بأثواب جديدة، وتم بالتحالف مع قوى إقليمية وقوى دولية،انه قتل لثورات الربيع العربي حمائم الإخوان لم تستوعب ان القواعد الانتخابية التي منحتها الثقة إيمانا بتحقيق أهداف الثورة أنها بذلك شكلت النواة والقاعدة الصلبة للتغيير حمائم الإخوان لم تستوعب أنها الأقدر علي التقدم في الصفوف وحوز ثقة الجماهير لأنها ببساطة الأكثر توافقا مع التركيبة الدينية، والنفسية، والاجتماعية، والثقافية، والحضارية للإنسان في المنطقة، ولأن القيم والمثل التي يحملها هي القيم والمثل التي يحملها العربي والمسلم دونما تكلف أو تصنع. حمائم الاخوان لم تستوعب انها تعثرت نتيجة ضعف اداء قيادييها وهو ما انعكس سلبا علي الاختيارات الحكومية ورؤي الاصلاح التنموية حمائم الاخوان لم تستوعب ان اللهث لاسترضاء الخارج لمعالجة مشاكل اقتصادية متناسية ان- لا أحد يموت من الجوع حمائم الاخوان لم تستوعب ان التيار الإسلامي هو أغنى التيارات بالشباب والكفاءات الشبابية، بعكس معظم التيارات اليسارية والليبرالية والقومية، التي تجاوز معظم قياداتها خريف العمر، ولم تتمكن من تجديد نفسها. حمائم الإخوان لم تستوعب سرعة الأداء في استحداث أدوات التغيير الثوري التي تمكنها من حمايتها، كالعدالة الانتقالية، ومؤسسات حماية الثورة، وأدوات التعامل مع الإعلام المضاد، وطرق التعامل مع أشكال التعطيل في بنية الدولة العميقة. حمائم الإخوان لم تستوعب ضعف وفشل القوي المعادية للثورة علي مواجهتهم و التي راحت تستجدي التوافق بدل الشرعية الانتخابية وتسعي إلي تأصيله كمبدأ دستوري حمائم النهضة لم تستوعب إن الإنسان في هذه المنطقة قد كسر حاجز الخوف، ولا تستطيع الأنظمة القمعية والاستبدادية التي تجاوزها التاريخ أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. اختم بشهادة لكاتب يساري اعتقد انه مجهول قائلا : "في منع الانتخابات لمدة عشرين عاما حياة لكم يا أولي الألباب، وتلك هي قمة الديمقراطية الراقية والعادلة، كما أراها أنا، ولو أقسمتْ كل الأيدي الصفراء ذات الأصابع الأربعة أنني غير ديمقراطي!" قوله حق فالإخوان عائدون لا محالة ولكن هاته المرة لن يكونوا حمائم… فإذا غابت شمس الإخوان من فوق الأهرام , تغيب شمس الثورة خلف كثبان الرمال .