قبل مرحلة غير معلومة بالأيام لكنها محصورة بالأشهر ، وعلى مسافة تربو على النصف شهر من الاستحقاق الانتخابي المزدوج ، تبدو معالم الرهان نحو قصر قرطاج قد أفصحت عن ملامحها العامة وتحتاج الى الوقت واستقرار الأحداث لتأكد نفسها وتعطي المزيد من التفاصيل الضرورية ، وتثبت الصورة في تضاريسها العامة وقبل الاقتراب من التفاصيل ، وأثبتت ان النصاب قد اكتمل والضلع الثالث التأم على مثلثه وان الأمر بات يخضع لبعض التزكيات المهمة هنا والروتينية هناك. بعد تسرب الخبر المصفح الذي تكتمت عنه النهضة ويفيد بعزم صناع القرار داخل الحركة على الدفع براشد الغنوشي الى حلبة السباق الرئاسي والتحاقه بفرسي الرهان "الجدي" المرزوقي والسبسي ، يمكننا القول ان الكل بات يتحفز لضربة البداية الرسمية والدخول العلني لمضمار الدعاية ، هذا اذا لم تحدث ارتجاجات قوية ولم تطرأ بعض المستجدات الملحة التي من شانها دفع حركة النهضة احد أكثر الأحزاب مرونة داخل المشهد السياسي التونسي الى القيام بعملية إعادة انتشار تستدعي من خلالها البديل الداخلي أو تقرر التفويت في الأمر برمته الى احد الشخصيات المأمونة ، على الأقل في السياقات العامة لمشروع الثورة وعملية الانتقال. * لا يمكن الحديث عن ترجل المرزوقي والتخلي او الإفساح لغيره ، وحتى اذا أبعدنا الحديث حول طموح الرجل ونزعة الزعامة التي يحملها منذ بروزه على الساحة كناشط حقوقي قبل عقود ، حتى ان استثنينا ذلك فمن العبث استبداله بشخصية من المؤتمر او احد الشخصيات المقربة ، لان المرزوقي لا يعول على رافعته الحزبية وان كانت نقية متآلفة مع الثورة أكثر من الكيانات الحزبية الأخرى بما فيهم النهضة، لان المؤتمر رافعة صغيرة ووزن أحصنتها المحدود " Puissance Physique " لا يمكّنها من المساعدة بقوة في حلبة مخصصة اصلا لصراع الفيلة . والرجل وان كان يعول على حزب المؤتمر بشكل جزئي فانه يعول اكثر على اسمه وموقعه التقليدي في الدولة وتواجده في المفترق بين الإسلاميين والعلمانيين ، ويتميز على الصف العلماني ذي الندرة في الولاء للثورة بل لعله الصف الذي تآمر على ثورة تونس وناصر الانقلابات على الثورات الأخرى. *وان أقفلت إمكانيات ترشح المزوقي لرهان الرئاسيات سقف 100% فان زعيم النداء الباجي قائد السبسي بدوره لن ينزل تحت سقف 80% ، ويبقى هامش 20% يتنقل بين متطلبات الاستنجاد بحمد الناصر او تكريم السبسي الأب اذا تعذر عليه بتقديم السبسي الابن ، ما عدى هذا يصعب الحديث بعد التحاق محمد الناصر على بدائل اخرى جدية ومقنعة من قبيل اللومي الأخ والأخت والبكوش وغيرهم . *بخلاف الثنائي المرزوقي والسبسي فان الغنوشي ومهما قدم للساحة التونسية من مزايا لا يمكنه ابدا التعويل على إنتاجه السياسي كوقود لحمله نحو سدة الحكم ، والتجارب البعيدة والقريبة تأكد ان العديد من الشخصيات التي أخذها الزهو بنفسها وشعرت بطفرة في عطائها وتململت داخل "الاتجاه ..نهضة" واستشعرت الحرج من الجسم وضاقت بالإناء التنظيمي ، ولما نأت بنفسها وحاولت استثمار اسمها اتضح ان الانتفاخ هجينا وان الحمل كاذبا وانتهت الى أرقام سائبة في بحر السياسة اللجي . لذلك ستسعى المجموعة التي تتزعم فكرة ترشيح الغنوشي لإقناع المؤسسات والقواعد بسداد الفكرة وتحشد لها ما أمكن من شروط النجاح ، لكن الأمر سيبقى في حكم المراوحة ، فتجارب النهضة في الحكم أثبتت انها تملك مساحة للمراجعة والمرونة والمناورة من فرط اتساعها أصابت قواعدها بالقلق والتوتر وتركت العديد من ضحاياها صرعى معانات أمراض القلب والسكر والجلطات المتفاوتة ،والمشكلة ان أغلب المصابين هم من داخل الصف أولائك المقهورين من سياسة يقال انها ومن فرط حكمتها تجاوزت ثوابت الحكمة . اذا استمر الروتين السائد واكتفت الساحة بالتحرك التقليدي نحو الرئاسيات ولم تبرز على الساحة مبادرات مغرية ناصعة ، فانه يمكننا القول ان الأجسام الثقيلة الثلاثة التي ستاثث المشهد وتحتل الأروقة المستقطبة للأضواء هم الشيوخ الثلاث ، شيخ الإسلاميين وشيخ الحقوقيين وشيخ المسنين. نصرالدين السويلمي