نستكمل اليوم النّظر في الضلع الثالث ممّا اصطلحنا على تسميته ب" مثلّث برمودا " خارطة طريق المرحلة الانتقاليّة التوافقيّة التي هندسها الرباعي الرّاعي لما يعرف بالحوار الوطني …. فبعد النّظر في مسألتي " مراجعة التعيينات صلب الإدارة " و " تحييد المساجد " …يأتي اليوم الدّور على ثالثة " الأثافي " …( و لمن لا يعرف الأثافي نقول …إنّها من لوازم موقد النّار القديم و هي عبارة عن ثلاث حجرات توضع حول النّار لتحمل قدر الطعام فيُطْهى هذا الأخير على نار هادئة )….و يبدو أنّ الحسم في هذه المسائل الثلاث يُطْبَخُ على نار أكثر من هادئة هذه الأيّام …رغم " مجهودات " كلّ النافخين في " الجمر الطافىء " من هواة إشعال النيران…فحكومة " جمعة " يبدو أنّها اقتنعت بأنّ " صوف هذه الأيّام لا يباع الاّ بالرزانة "…. ثالث الأثافي …أو " الجائزة الكبرى " في مطالب معارضتنا الديمقراطية جدا هي " " حلّ روابط حماية الثّورة "…هذه " السمكة الكبيرة " العائمة في بحر الوطن المحرّكة لمياهه الرّاكدة منذ ستين سنة أو يزيد …هذه " السمكة " أصبحت مطلوبة من أكثر من طرف …. المطلوب اليوم في أجندات أحزاب المعارضة " الديمقراطيّة جدّا " و بعض المنظّمات هو حلّ روابط حماية الثورة …فهي عندهم " ميليشيات حزبيّة " تأتمر بأوامر جهة بعينها و حزب بعينه …و تدافع عن توجّه معيّن و فكر معيّن …و هكذا يرونها خطرا على مسار الانتقال الديمقراطي و تهديدا للسلم الأهلية ولكن قبل مناقشة موقف شركائنا في الوطن من روابط حماية الثورة دعونا نطرح أسئلة إشكالية لنتفهّم عمق المسالة… ما روابط حماية الثورة ؟ كيف تشكلت ومتى؟ ومن شكلها؟ ولماذا؟ لو أجبنا عن هذه الأسئلة إجابات صريحة لسقطت أطروحة المطالبين بحلّ روابط حماية الثورة سقوطا لن تنهض منه إلّا يوم الحساب …و ما ذلك ببعيد. إنّ هذه الروابط تقول إنّها تدافع عن الثورة وتحاول حمايتها … فهل نحن ضد هذا المبدا ؟…أ لا نريد حماية ثورتنا والدفاع عنها ؟ فان كنتم تخالفوننا الموقف في هذا الأمر ….فلستم من الثورة وهي منكم براء. أ لم تتشكل روابط حماية الثورة في كل حيّ وقرية ودشرة ومدينة إبّان الثورة ومنذ الساعات الأولى بعد فرار المخلوع وانتشار زبانيته لقنص الثوار واثارة البلبلة والفزع في صفوف السكان ؟؟ أ لم تكن روابط حماية الثورة " مضادّا حيويّا " لكل المؤمرات التي حاكها أعداء الثورة من الأزلام وزبانية النّظام البائد بإثارة الفتن والنفخ في نار النعرات القبلية والجهوية ؟ من نفخ في نار العروشية بين أهلنا في السند والمتلوي والمظيلة ؟ من أوقد نار الفتنة بين أبناء الحيّ الواحد والمدينة الواحدة في سوسة وقصر هلال والعاصمة ؟ هل كانت روابط حماية الثورة وراء كلّ ذلك؟ من استطاع إطفاء كلّ تلك الحرائق الملتهبة ؟ أ لم يكن رجال تلك الرابطات ونسائها هم من جابوا البلاد طولا وعرضا وقرّبوا وجهات النظر وصالحوا بين الإخوة الذين أريد لهم أن يكونوا أعداء ؟ دعونا ننظر في تركيبة هذه الروابط….من هم الناشطون فيها ؟ هل فيها فارّون من وجه العدالة ؟ هل فيها إرهابيون ملاحقون ؟ إنها تتكون من شبّان وشابّات من مختلف شرائح المجتمع وطبقاته …ففيها العاطل عن العمل والعامل اليومي و " تاجر الشنطة " و البائع المتجول وفيها الغني والفقير والمتعلّم والمعلّم والبنّاء وبائع الخضر …وفيها من يستعدّ لمناقشة أطروحة دكتوراه دولة … جمعتهم الغيرة على ثورتهم ولم تفرّقهم السياسة ودهاليزها ولم يشتغلوا " هبّاطين " على أرصفة موانئ استيراد التجارب والأفكار … جمعهم الوفاء لدماء أصدقاء واخوة ورفاق عرفوهم وشاركوهم النضال ضد الطغيان والظلم … سقطوا أمامهم وسمعوا أنينهم وحملوهم شهداء على أكتافهم …لم يجتمعوا على حبّ جاه ولا طمع في منصب …لقد جمعهم هذا الوطن . فمالذي ارتكبته روابط حماية الثورة حتى يطالب البعض اليوم بضرورة حلّها ؟ هل اعتدت على رموز الثورة وقزّمتها وسخرت منها كما فعل البعض ؟ هل عطّلت المرافق العمومية بالاعتصامات والاحتجاجات كما فعل البعض وما زالوا؟ هل اعتدت على أزلام النظام البائد ونصبت لهم المشانق كما يقع في كل ثورة تحترم نفسها وشعبها ؟ هل هاجمت بيوت الفاسدين والمفسدين وأحرقتها وسحلت ساكنيها ممن جمعوا ثرواتهم من دماء الشعب المسكين وعرقه ودموعه ؟ هل احتلّت " ميليشاتها " المزعومة مقرّات الصحف الصفراء والإذاعات المشبوهة والقنوات المناوئة للثورة ؟ هل لهذه الروابط أجنحة عسكرية مسلّحة وأذرع ضاربة تهدّد الأمن العام والسلم الأهلية ؟ هل هناك حكم قضائي باتّ ضدّ هذه الروابط يثبت تورّطها في ممارسة العنف أو أيّ شكل من أشكال المساس بالأمن العامّ منذ تشكليها إلى يوم الناس هذا؟ إن كانت الإجابة عن هذه الأسئلة ب " لا " … فإنّنا نقول بدورنا …. " لا لحل روابط حماية الثورة " لماذا نقول " لا لحل روابط حماية الثورة " ؟؟؟ نقول " لا "…. لأنّ هذه الروابط بُعِثت لتبقى وهي تستمد شرعية بقائها ووجودها من كونها " لازمة " من " لوازم " سمفونية ثورة الحرية والكرامة وبدونها ندخل في " النشاز " … إنّها قطعة لا غنى عنها من قطع " التخت الثوري " … نقول " لا " …لأنّ كلّ ثورة تحتاج إلى حماة ومحصّنين …بدونهم تصبح الثورة كطلق في الهواء … نقول " لا " … لأنّ هذه الروابط هي ( كلمة " لا " في زمن لم يعد ممكنا أن يكون زمن " نعم " ) . إذا كان الرباعي الراعي للحوار الوطني ومن خلفه معارضتنا الديمقراطية جدّا يريدون حلّ روابط حماية الثورة بالشّبهة … ( شبهة ممارسة العنف في بعض المحطات … وهذه تهمة لا دليل مادي عليها ) …فإنّنا نقول لهم …لا تلقوا بطوبكم على بيت روابط حماية الثورة فبيوتكم من زجاج … ففيكم من هندس للعنف ومارسه واستثمر فيه… هل تنكرون وجود ميلشيات في دور الاتحاد العام التونسي للشّغل وفي مقرّه المركزي بالذات ؟…. هل تذكرون يوم 04 /12 2012 ؟ هل نسيتم غزوة الهراوات ؟؟ هل تنكرون تورّط " حقوقيين منكم " و " نقابيين منكم " في صبّ الزّيت على النّار في " أحداث سليانة " و استثمارها لتحقيق مكاسب للضغط على الحكومة آنذاك ودفعها للتنازل والتراجع والاستقالة؟ هل انتم أبرياء …أنقياء…طاهرون؟؟؟ هل أنتم أنبياء و رسل وحمائم سلام ؟؟؟ من شجّع على العنف والتمرّد اذن ؟ من غطّى على المجرمين والفوضيين ؟ …من تستّر على الجرائم وهونها؟؟… من استثمر في العنف واثارة القلائل في البلاد طيلة حكم الترويكا ؟؟؟ هل كنتم بعيدين عن مسرح الأحداث …؟؟ أ لم تكونوا فاعلين رئيسيين فيها ؟؟؟ هل كانت روابط حماية الثورة من فعلت ذلك؟ إنّ أيديكم و أثوابكم ملطّخة بكلّ هذا و أكثر …ومع ذلك نقول لكم…. إن كان ولا بدّ من حلّ … فلا بدّ من حلّ كلّ " حانوت " من حوانيت المرتزقة المتاجرين بحقوق الإنسان وحقوق العمّال ممّن امتهنوا السمسرة بدماء الشهداء ودموع الفقراء وعرق الكادحين… إن كان ولا بدّ من حلّ …فلا بدّ من حلّ مؤسسات إعلامية تروّج للسخافة والدعارة الفكريّة و الأخلاقية وتسوّق لعودة " الحرس القديم " آناء اللّيل و أطراف النهار … إن كان ولابدّ من حلّ …فلابدّ من حلّ " شانطي " كبير وسط ركام الأزلام و أولاد الحرام لكنسهم نهائيّا من السّاحة وتطهير البلاد منهم … خلاف ذلك …. كفّوا عنّا ألسنتكم و ألجموا شهواتكم …إنّ السياسة لا تُدَارُ ب " التَشَهِّي " … إذ نعلم أنّكم تعيشون اشهر " الوحم " وشهواتكم أصبحت مستفزّة ولكننا نخشى عليكم من صدمة " الحمل الكاذب " … أيّها الشركاء…لقد صبرنا طويلا على " مراهقتكم السياسية " طيلة سنتين …وسنواصل التحلّي بالصّبر مجدّدا حتى تمرّ أشهر وَحَمِكم … فشتّان بين من يعيش " أشهر الوحم " و من يعيش " الأشهر الحرم "…. إنّ لنا بشارة من ربّنا العزيز الحكيم. الجمعي العليمي