بعيدا عن التفصيل في رجاحة القرارات والتوجّهات التي بات يأخذها زعيم حركة النهضة بشكل منفرد أو في نطاق مضيق، وتجاوزا للحكم لها أو عليها لأنّه يتطلّب استدعاء الكليات والتفاصيل واعتماد تداعياتها ثم الحكم على الجزء ومن ثم الكلّ ، ولأنّ الحكم يصعب استنتاجه بسهولة في ظلّ عمليّات انقلاب فاشلة ومحاولات أخرى قادمة تطلّ برأسها من الحين للآخر، لأجل ذلك يمكن أن نبدي بعض الآراء لكن لا شكّ أنّ الجزم بالصلاح أو الطلاح سيأتي بعد أن ينجلي الغبار وتستقر الأوضاع ونرى أيّ وجهة سيأخذها قطار الثورة المنهك. أمّا ما يمكن الحكم عليه تثبيتا لا ترجيحا هو أنّ الزعيم التاريخي لحركة النهضة ونواته الصلبة قرّروا منذ انطلاق الحوار الوطني استبدال المؤسّسات بمجموعة صغيرة يمكن تسميتها بجماعة الحلّ والعقد، وإن كان اختزال المؤسّسات في كوكبة صغيرة واختزال الكوكبة في شخص يوفر لقيادة النهضة مرونة في اتخاذ قرارات سريعة ومتتابعة هي في أمسّ الحاجة اليها، لكن لا شكّ أنّ ذلك لديه تداعياته الجانبيّة على الجسم ككلّ . زعيم النهضة اعتمد على أسلوب ذكي في احتكار القرار ولا شكّ أنّ الرجل تغول كذلك بتجربته وإمكانيّاته الذهنيّة وحضور بديهيته السّياسيّة بشكل ملفت، والكلّ يذكر أنّ دور الغنّوشي انحصر في مرحلة معينة بشكل كبير، ولم يعاند في استرجاع موضعه التاريخي بل ترقّب الأحداث، وكعادتها أفسحت الحركة لزعيمها عشيّة أزمة تهدّد كيانها، ودون عناد استسلمت المؤسّسات إلى بصمة الرجل، واعتمد الغنّوشي على عمليّة امتصاص ذكية بحيث يتخذ قراره ويعتمد أسلوبه ثم يذهب بسرعة للمؤسّسات من أجل إقناعها مستعملا في ذلك تجربته الطويلة وقدرته على تمرير طروحاته خاصّة في معالجة الأزمات وامتصاصها . الخطوات التي يقدم عليها راشد الغنّوشي وخاصّة المتعلّقة بالثورة ومتطلباتها وتحصينها وابعاد خصومها ، لا تتماشى ورؤية جلّ قواعد الحركة، لكن الرجل يتقدّم في تنازلاته المؤلمة لأنّه يعلم أنّ المؤامرة كبيرة وأن جبهة الرفض الثوريّة يمكنها تقديم التضحيات الجسيمة من أجل ثورة تونس وهي صادقة في ذلك ، لكنّها لا تملك تقديم الحلول الكفيلة بإبطال مفعول الانقلابات الموقوتة . نصرالدين