أخبار تونس احتضن المركز الثقافي الجامعي الحسين بوزيان مساء يوم السبت 14 نوفمبر عرضا مسرحيا ليبيا حمل عنوان ” تقلب” وذلك ضمن العروض المبرمجة في قسم حضور في الدورة 14 من أيام قرطاج المسرحية. و قد لعب دور البطولة في هذه المسرحية الثلاثي سلوى المقصبي وطارق الشيخي ونجلاء لمين وهي مسرحية تدوم 53 دقيقة من إعداد و إخراج فرج بوفاخرة. ساهم في تأمين الجانب التقني للعمل كل من عوض الفيتوري ( الإضاءة) ووليد بن صريتي (الموسيقى والمؤثرات) ونعيمة هويرى (ملابس ومكملات) وهي من إنتاج فرقة أنوار المدينة ببنغازي. تأخذك المسرحية في رحلة طريفة بين القدم والحداثة، إذ هناك فصلان و إن اجتمعا حول الملامح العامة للحكاية والأزمات التي تطرحها، فإنهما اختلفا معها في الشكل و أخذا المتفرج إلى زمن بدائي و آخر معاصر، فكانت الإطلالة من نافذة واحدة على عالمين مختلفين. جاءت المسرحية مدثرة بألوان المرارة، سجينات يتألمن يبحثن عن حريتهن فلا يجدن إلا الصد والردع وترد التهم جلية: ” أنت فتاة هوى”و”أنت لن تخرجي” و”أنت أسيرة أسوار” و”ولدنا في سجن كبير” وتتالى أسباب النفي، نفي حتى النخاع. يلعب دور الضحية فيها امرأتان تتلقيان كل أسباب الإهانة و سوء المعاملة من الرجل كأنهن بلا ملامح وذلك يذكر بالنص الذي اقتبس منه العمل وهو مسرحية ” نساء بلا ملامح” للكاتب عبد الأمير بن مشيخي. كان عرضا فرجويا شيقا كشف عن عمق التجربة المسرحية الليبية التي قطعت أشواطا في إذكاء تجربتها في هذا الفن. و قد تراوحت التأثيرات الفنية فيها بين حضور ركحي و ديكور للسجن، تجلى في لباس السجينات في الزمن البيدائي و في الزمن المعاصر، أي في القرن 21، و قد كان العرض مشفوعا بشريط فيديو على الشاشة العملاقة في تناغم مع ما تم تقديمه على الركح.. وقد أدانت المسرحية عبثية الحياة البشرية التي تتميز بالتقلب و التبدل لكن المعاناة تظل ثابتة والآلام لا تندثر و أسوار السجن تعلو لتسيج أحلامه و آماله و تقتلها. تصرخ السجينات” جميعنا قتلة و جميعنا أبرياء” أو لعل المتفرج يصدم بإلحاح أحد الأبطال حين يصرخ ” علينا قتل كل شىء” ... وتعلو أصوات غريبة لحيوانات فتمتزج بأصوات السجينات فإذا بالإنسان يتجرد من إنسانيته ويجد نفسه شبيها بالحيوان. وإن دارت رحى مأساة السجينات في العهد القديم في السجن فإن حياتهن في القرن 21 وإن صاحبه تغيير كبير في شكل الإنسان و أناقة ثوبه و رفاه في الحياة، فإن السجن ظل قائما. وقد صرخت النسوة ” ما الحياة إلا سجن كبير” و ” الشعوب كالبقرة تجتر آلامها”. و إن طغت القتامة وبدت جلية فإن الأمل ظل بصيص نور قائم الوجود تنبعث شرارته بين الفينة و الأخرى في مشاهد المسرحية ليضيء أفق المسرح. إذ صرخن بقوة: ” سنخرج” في محاولة البحث عن منفذ يخلصهن من سجنهن و تتواصل التداعيات بين ثنائيات شتى: الماضي و الحاضر، الضحك و البكاء، الصراخ و الصمت، اليأس و الأمل...ثنائيات تبني لتهدم و تهدم لتعيد البناء، تأخذ المتفرج في حلقة أخاذة و ذات رؤية فنية ثاقبة لواقع البشرية دون قناع تجلت في مختلف التقنيات التي أثثت المشهد و بنته و حرفية السجينتين البطلتين: سلوى المقصبي ونجلاء لمين... و قد عكست المسرحية انفتاح العمل الإبداعي الليبي على مشاغل الإنسانية وجسدت توق المخرج إلى ملامسة واقع جديد يمكن للإنسان أن يتمتع فيه بعيش كريم. والجدير بالذكر في هذا السياق أن أيام قرطاج المسرحية حرصت على تشريك عدة أعمال من أقطار المغرب العربي في إطار انفتاحها على مختلف التجارب و قد عاش الجمهور على وقع عدة عروض من الجزائر و المغرب... و قد توجهت ” أخبار تونس” بالسؤال لمخرج العرض فرج بوفاخرة عن سر اختياره لتناقضات مؤسسة و مشتتة في آن للمشهد المسرحي و سر القتامة في عمله، فأجاب بأن النص ترجمة للمقولة الشهيرة “العالم يتقلب و لا يتغير” و بالفعل فإن العالم الإنساني اليوم يتقلب و لا يتغير، إذ لازالت ثقافة التسلط قائمة و قد تجلت في سلوك الرجل الذي حاول ممارستها على السجينات و هي قد تتخذ أشكالا شتى في الحياة، ثم إن المسرحية تتساءل عن قيمة الشكل إن لم يكن هناك تغيير حقيقي ... المسرحية دعوة إلى التأسيس إلى قيم الخير و الحب ونبذ كل أشكال العنف”...و أفاد المخرج الليبي فرج بوفاخرة أنه يشارك للمرة الثانية في أيام قرطاج المسرحية، إذ كان قد شارك في الدورة الفارطة، دورة 2007 .