أخبار تونس تطالعنا في أيام قرطاج المسرحية عدة عروض من الأقطاب العربية ( المغرب، الجزائر، سوريا، الإمارات...) و الغربية (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا...) والإفريقية ( السينغال، الكامرون، بوركينا فاسو ...). و قد كان جمهور أيام قرطاج المسرحية مساء أمس الجمعة 13 نوفمبر على موعد مع أحد الأعمال المسرحية الفلسطينية بعنوان ” قصة خريف” و التي تعرض ضمن قسم ” حضور” و لمدة 75 دقيقة. قام بإخراج هذه المسرحية أمير نزار الزغبي و هي من اقتباس و ترجمة سليم ضو عن نص للكاتب الإيطالي آلدو نيكولاي، أما السينوغرافيا فهي لوائل وكيم و أشرف على الجانب التقني للعمل كل من حسام شحاتة (الإضاءة) و نزار خمرة( الصوت ). لعب دور البطولة فيها الثلاثي سهيل حداد و سلوى نقارة و سليم ضو و تدور أحداث المسرحية أساسا حول علاقة المسن بأبنائه. تنطلق أحداث المسرحية بلقاء جمع مسنان (بوكا و لينو) في أواخر السبعين من عمرهما يلتقيان صدفة على مقعد في أحد الأحياء الشعبية و يتجاذبان أطراف الحديث حول مجموعة من المشاغل الإنسانية المتصلة أساسا بعلاقة الأبناء بآبائهم أي مشكلة العقوق التي تنتهي بالمسن إلى بيت العجز. إذ مثل موضوع ” الشيخوخة” حجر البناء حوله شيدت أسياج الحكاية التي أخذت المتفرج في مساحة طغى عليها هدوء لا مثيل له سمته الحزن الدفين مشفوعا بتأمل عميق في بعض القيم الإنسانية التي ميزتها التنكر للذات، إذ أن إهمال الأبناء لآبائهم لا يمكن أن يكون إلا رمز انبتات و تشذي للعلاقات الإنسانية التي باتت اليوم هشة في ظل ما طغى عليها من فتور وحب للذات أقصى الآخر و جعله يعيش على هامش المجتمع يتسلى بعبور قط أو فأر لاغيا كل العلاقات الإنسانية التي تعتبر عماد التواصل و سر الحياة و سحرها. و رغم ما يوحي له العنوان من ثورة و تقلب و هما سيمتان تميزان هذا الفصل إلا أن المسرحية ميزها الهدوء و السكينة وديكور ثابت و بسيط حضرت فيه فقط أوراق الخريف لتذكر بالإطار العام أي الفصل الذي تدور فيه الأحداث وهو الخريف. بوكا (سليم ضو) يتبادل مع رفيقه لينو (سليم حداد) أطراف الحديث فيرفع الستار عن المرارة، تأتيك السخرية في ألوان شتى بالفعل و الكلمة و الإيماءات... و هي انبنت أساسا على تناقضات في القول و الفعل، إذ مقابل كبرياء بوكا و محاولته إخفاء الإهانات التي يتلقاها من أبنائه يفسح لينو عن كل ألوان العذاب و يحلم بمصالحة أجمل و أفضل من طرف أبنائه. و لعل ألوان البهجة رسمت بحضور المرأة في المسرحية إذ مثل ظهور الحاضنة علامة مضيئة في زمن القتامة و الرتابة الذي يعيشه كلا البطلين، هي مسنة عزباء مسكونة هي الأخرى بقلق الشيخونة و تحلم بتفاعلات أجمل، تتمنى طفلا لم تسعفها الأيام بإنجابه. ربما هو إنسياق وراء البحث في السؤال عن معنى الوجود البشري الذي أصبحت القتامة ميزته و الفتور في المشاعر سمته و هي دعوة ضمنية للشعور بالآخر و وقد ورد ذلك على لسان الأبطال أكثر من: مرة ألست حرا؟ و غيرها من التساؤلات. جدير بالذكر في هذا السياق أن دولة فلسطين سبق أن شاركت في أيام قرطاج المسرحية و مختلف أعمالها تحظى باهتمام جماهيري كبير من طرف التونسيين و مختلف الوافدين من عدة بلدان. و الكل يثمن مجهود مبدعي هذا البلد لاسيما أمام الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون بسبب الاحتلال، إلا أن إرادة المبدع أقوى و هي تتحدى كل أزمات الحياة على اختلاف ألوانها و يشترك العالم العربي هذه السنة بالاحتفاء بالقدس كعاصمة للثقافة العربية. و في تصريح ل” أخبار تونس” أكد السيد سليم ضو و هو أحد أبطال المسرحية و مدير عام مسرح الميدان أن سبب اختياره لهذا الموضوع أي تناول ” الشيخوخة” هو ميله |إلى تناول موضوع يتصل بقيمة إنسانية عالمية ليست مرتبطة بعالم عربي أو غربي بل هي مشغل إنساني كبير”.