كان الموقف الذي عبّرت عنه تونس من الدعوة لعقد قمة طارئة بالدوحة يوم 16 الجاري نابعاً من التزامها بثوابت سياستها الخارجية ومن حرصها الدائم على تعزيز التضامن العربي ودفع العمل العربي المشترك وإضفاء اكبر قدر من النجاعة عليه وتوحيد الصف العربي لا سيما في ظل الظروف الخطيرة والدقيقة التي تمر بها الأمة العربية وما يحدث في غزة من عدوان وحشي غير مسبوق على أشقائنا الفلسطينيين.وانطلاقاً مما تعرف به سياستها من ثبات على المبدأ وجرأة في المواقف بعيداً عن كل المساومات والمزايدات والشعارات الجوفاء، فان تونس لم تتخلف أبداً عن خدمة القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة التي يعتبرها الرئيس زين العابدين بن علي قضيته الشخصية• ولكن، وإزاء خطورة الوضع المأساوي في غزة وإصرار إسرائيل على المضي قدماً في نهجها العدواني ومواصلة اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني الشقيق والتي خلّفت آلاف الشهداء والجرحى، فان تونس، وكما خبرها الأشقاء العرب وفي مقدمتهم الأشقاء الفلسطينيون، أعلنت تأييدها لكل تحرك عربي واستعدادها للانخراط الفاعل فيه على ان يعد له إعداداً جيداً يأخذ في الاعتبار حاجة الشعب الفلسطيني إلى وقفة جادة وقرارات حاسمة وناجعة تساهم في وقف نزيف دمائه الزكية ورفع المعاناة عنه• لقد بلغ العدوان الإسرائيلي الذي استخدمت فيه الأسلحة المحرمة دولياً والذي تسبب في كارثة انسانية في قطاع غزة، درجة من الخطورة تستوجب تحركاً عربياً مدروساً يتناسب وحجم معاناة الأشقاء الفلسطينيين ودقة المرحلة، تتعدى فاعليته مجرد عقد قمة عربية لرفع العتب وتسجيل المواقف أو تكرار بيانات التنديد والشجب والتعاطف والمواساة التي صدرت عن الجميع داخل المنطقة العربية وخارجها منذ بداية العدوان، وهي على أهميتها المعنوية، لا تغيّر شيئاً على ارض الواقع ولا تضع حداً لهذه المعاناة• وبعيداً عن اللغط الاعلامي الذي أثير حول الدعوة القطرية وردود الأفعال العربية عليها، فان تونس تعتبر ان الاجتماع الوزاري الطارئ الذي اكدت مشاركتها فيه استجابة لدعوة دولة قطر والمقرر عقده بالكويت يوم 16 الجاري لتدارس تقرير اللجنة العربية عن مهمتها في مجلس الأمن والتشاور حول الخطوات التي ينبغي القيم بها في ظل رفض إسرائيل الامتثال للقرار 1860، يمثل اطاراً ملائماً لتقيمي الموقف ورفع التوصيات المناسبة للقادة العرب خلال قمتهم بالكويت يومي 19 و20 الجاري، حيث يمكنهم على ضوء تلك التوصيات بحث ما يمكن اتخاذه من قرارات حازمة وفاعلة لوضع حد للعدوان الاسرائيلي وضمان الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الشقيق الى جانب تدارس بقية التحديات الخطيرة الماثلة فلسطينياً وعربياً• ويشهد تاريخ القضية الفلسطينية على مواقف تونس الثابتة والمبدئية في نصرة الشعب الفلسطيني الشقيق ودعم نضاله والمحطات المضيئة في هذا المضمار كثيرة، كما ان مواقف تونس واسهاماتها في دفع العمل العربي المشترك وجهودها من أجل رفع قدرة العالم العربي على مواجهة التحديات معروفة لدى الجميع، وبالتالي فاننا لا نقبل المزايدة على تونس ورئيسها وشعبها في ما يخص دعم القضية الفلسطينية ونصرة اشقائنا في غزة والحرص على نجاعة التحركات العربية ولا سيما على مستوى القمة• نزيهة زرّوق : نائب رئيس مجلس المستشارين – تونس “اللواء”(لبنان)- ص16 جانفي 2009