أخبار تونس – تحل هذه السنة الذكرى 117 لميلاد الشاعر الكبير بيرم التونسي، ففي مثل هذا اليوم 3 مارس من سنة 1893 ولد الشاعر بحي الأنفوشي بالإسكندرية، وعلى الرغم من حصوله على الجنسيتن التونسية والمصرية إلا أنه يحمل لقب “التونسي” لأن جده لأبيه كان تونسيا قدم إلى مصر سنة 1833 . وبعد أن درس محمود محمد مصطفى بيرم التونسي في الكتاب عمل على تكوينه الذاتي من خلال الاتصال بأهل العلم ومطالعة أمهات الكتب والأساطير الشعبية مثل “ألف ليلة وليلة” و”السيرة الهلالية”، وتعلقه بالشعر العربي خاصة بعد أن وقعت يده مصادفة على مجموعة أشعار لابن الرومي وأجبره اليتم والخصاصة على العمل بعدة مهن بسيطة كبيع البقول والسمن والعمل في الموانئ... كما دفعه حبه للكتابة والأدب وممارسة الفنون الإبداعية إلى دخول عالم الصحافة من بابه الكبير فأصدر مجلة “المسلة” ثم مجلة “الخازوق” لكن قلمه الساخر وأفكاره الرافضة للتخلف والرجعية والاستعمار دفعت ملك مصر في ذلك الوقت وسلطة المحتل الانكليزي إلى إيقاف صدور هذه المجلات، بل سبب له إقدامه وشجاعته النفي خارج مصر إثر تعلقه الشديد بمساندة ثورة 1919 وقضية الاستقلال. ونفي بيرم إلى تونس التي يحمل جنسيتها سنة 1920 جراء نشره مقالة تهجم فيها على زوج الأميرة “فوقية” ابنة الملك فؤاد، فعانق أهله مجددا غير أنه هاجر إلى فرنسا بسبب ما حز في نفسه من تعسف المستعمر تجاه التونسيين وعمل في مرسيليا لمدة سنتين حمالا في الميناء كما عمل في شركة للصناعات الكيماوية وتمكن هناك من إعادة إصدار صحيفة “الشباب” قبل أن يتم ترحيله إلى تونس سنة 1932 إذ قامت السلطات الفرنسية بطرد الأجانب على إثر أزمة خانقة عاشها الاقتصاد الفرنسي. وجالس بيرم التونسي جماعة تحت السور و فطاحل الأدب التونسي في ذلك الوقت وعايش ذروة غليان المجتمع التونسي في الثلاثينات الذي شهد ظهور تطور كبير في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي والفني. وكان بيرم التونسي قد برع في فن الزجل وسطع نجمه الأدبي بمجرد نشره لقصيدته الشهيرة “بائع الفجل” التي انتقد فيها بطريقة لاذعة وفكهة المجلس البلدي في الإسكندرية الذي أثقل كاهل السكان بالضرائب المشطة، وأصبح بذلك بيرم يعد “أمير الزجل” بامتياز ورائدا من رواد شعر العامية في القرن العشرين، حيث اهتمت أشعاره وأزجاله بتصوير قضايا المجتمع ونقل أدق تفاصيل اهتماماته الاجتماعية والسياسية بأسلوب نقدي ساخر تفرد به وجعله مهيب الجانب من قبل أكبر الشعراء حيث قال في شأنه أمير الشعراء أحمد شوقي: “أخشى على الفصحى من عامية بيرم”. تعلق بيرم بتونس أيما تعلق حيث انطبعت بعض قصائده بحنين جارف إلى أرض تونس وأهلها ويبدو ذلك واضحا في قصيدته الشهيرة “بساط الريح” التي أداها الفنان والمطرب الكبير فريد الأطرش وأعاد غنائها عديد المطربين التونسيين حيث يبدو جليا في هذه الأغنية شغفه بتونس موطن الجذور. وخلف بيرم التونسي إنتاجا أدبيا غزيرا تنوع بين الأزجال والمقامات ومن بين مؤلفاته “مذكرات فى المنفى” و”السيد ومراته فى باريس”، بالإضافة إلى عدة أعمال إذاعية مثل” أوبريت “الظاهر بيبرس” وأوبريت “عزيزة ويونس”. كما تعرف بيرم التونسي على كوكب الشرق أم كلثوم عام 1941 وكون معها ومع الملحن زكريا أحمد فريقا موسيقيا ثلاثيا عانق النجاح والشهرة قدم للموسيقى العربية أعمالا خالدة مما جعلها تدرج في صلب أعمال أم كلثوم السينمائية مثل شريط “سلامة” 1944 و”فاطمة” 1947 ، وغنت له أم كلثوم أكثر من ثلاثين أغنية آخرها غنتها بعد وفاته ( 1961) وهى “القلب يعشق كل جميل” لحنها رياض السنباطي.