تعتبر القيروان عاصمة الإسلام الأولى لافريقية والأندلس فمنذ تأسيسها على يد عقبة بن نافع إلى اليوم عرفت عاصمة الأغالبة إشعاعا حضاريا وفكريا بارزا يؤكده تاريخها الزاهر ومعالمها الخالدة التي تعكس محطات تاريخية هامة في التاريخ العربي الإسلامي . وفي ما يلي ابرز المراحل التاريخية التي مرت بها هذه المدينة : « سنة 670م» أسس عقبة بن نافع مدينة القيروان ليستقر بها المسلمون واستغرق بناء المدينة أربع سنوات لإرساء مدينة جديدة بقواعد متينة ومثلت القيروان في هذه الفترة موقعا استراتيجيا لجيش الفتوحات فكلمة القيروان في حد ذاتها تعني محط إثقال الجيش وكانت مختلف الحملات والغزوات التي سبقت فتح القيروان مرت بهذا الموقع . «من سنة 800م إلى 909م» تولى إبراهيم بن الأغلب التميمي تأسيس إمارة عاصمتها مدينة القيروان وعرف عصر دولة الأغالبة بالعصر الذهبي حيث شيد الأغالبة الأسوار والمباني والمساجد وازدهرت الأسواق والتجارة كما اهتموا ببناء الصهاريج وكان يوجد خارج مدينة القيروان خمسة عشر ماجلا للماء أعظمها «ماجل» احمد بن الأغلب بباب تونس احد أبواب القيروان . كما شهدت الحركة الفكرية انتعاشة واسعة في تلك الفترة ومثلت عاصمة الأغالبة قطبا ثقافيا مشعا برز فيه إعلام لهم مكانتهم وعلى رأسهم أسد بن الفرات «759-828م» والإمام سحنون بن سعيد «776-854م» . وقد تأسست «بيت الحكمة» برقادة سنة 878 م وهي اول «جامعة علمية» في افريقية والمغرب تولى فيها التدريس عدد من العلماء المشهورين مثل الأديب الشاعر بن الصائغ والطبيب اسحاق بن عمران صاحب كتاب»الماليخوليا» واحمد بن الجزار صاحب كتاب «زاد المسافر». وساهمت «بيت الحكمة» في ترجمة العديد من المؤلفات اللاتنية واليونانية إلى العربية فضلا عن تنظيم المناظرات ونشر علوم الطب والفلسفة والفلك . وتوارث الاغالبة الحكم في الاسرة الى غاية سنة 909م فحكمها 11 أميرا من نفس العائلة وهم على التوالي : 1- ابراهيم بن الاغلب «800م-811م» 2- عبد الله بن ابراهيم «811م-816م» 3- زيادة الله بن ابراهيم «816م-837م» 4- ابو عقال الاغلب بن ابراهيم «837م-840م» 5- محمد بن ابي عقال الاغلب ابو العباس «840م-856م» 6- احمد بن محمد «856م-863م» 7- زيادة الله الثاني بن محمد «863م-864م» 8- محمد بن احمد «864م-874م» 9- ابراهيم بن احمد «874م-902م» 10- عبد الله بن ابراهيم «902م-903م» 11- زيادة الله الثالث بن عبد الله «903م-909م» واخفق زيادة الله في وقف الزحف الفاطمي بالرغم من استنجاده بالخلافة العباسية فبايع الأغالبة ابن عمه إبراهيم بن أبي الأغلب ولكنه لم يتمكن من إخماد الوضع ودخل الفاطميون القيروان لتصبح افريقية تحت سيطرة الفاطميين وذلك في أواخر عام 909 م . ورغم سقوط الدولة الأغلبية احتفظت القيروان بدورها الديني والروحي والفكري في العهد الفاطمي «909م-976م» والعهد الصنهاجي «1148 م- 1121م» وحظيت بمكانة خاصة لدى العثمانيين الذين وصلوا إلى تونس سنة 1574م وبقيت القيروان شاهدا على مدى إشعاع الحضارة الإسلامية في افريقية . ولا تزال عاصمة الأغالبة منبعا فكريا ودينيا خاصة في ظل ما يوليه العهد الجديد منذ التحول سنة 1987 من عناية موصولة للثقافة والدين وللفكر الإصلاحي المتجذر في هويتنا والداعم للحوار بين الأديان والحضارات وإشاعة قيم التسامح والوسطية . وتشهد القيروان اليوم نهضة عمرانية وثقافية مع الحفاظ على اصول معالمها التاريخية امتدادا لتاريخها المجيد وموروثها الفكري العريق .