أخبار تونس – أثنى وزير الثقافة اللبناني السابق ،غسان سلامة على الثورة الشعبية التي اندلعت في تونس وكتب قائلا في افتتاحية مجلة (المستقبل العربي) لعدد شهر فيفري 2011 ” إن من أرقى ما في الحدث التونسي هو بالذات تونسية الحدث بمعني الدور الهامشي وربما المنعدم تماما للقوى الخارجية في صناعة الحدث وأيضا بمعنى أن صانعي الحدث من المنتفضين التوانسة لم يقوموا بدور يتجاوز حدود بلادهم ولم ينظروا إلى أنفسهم بوصفهم قادة الثورة الفرنسية أو بلاشفة القرن الواحد والعشرين . الحدث التونسي في جوهره انتفاضة محلية . وهذه الطبيعة المحلية ضمانة حقيقية لأبناء الانتفاضة أن عرفوا الحفاظ عليها”،حسب قوله. من جهة أخرى اعتبر سلامة ،وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة السوربون في مقال بعنوان “عن تونس” أن إقدام الشاب محمد البوعزيزى على إضرام النار في جسده “ذكرنا وجسده شعلة من نار أننا قبل كل هذا وفوق كل هذا نعيش في عصر الفجور ونصمت عنه محتجين باهتمامنا البائس بالسياسة أو بولعنا الخائب بالأفكار الكبيرة”. وعن السيناريوهات المستقبلية لما بعد هذه الثورة ومدى قدرة التونسيين على تحويل هذا الحدث إلى مشروع حكم بديل للحكم المخلوع يرى الباحث بأن الانتفاضة وبرغم طابعها المحلي البحت فإن ما بعدها “مسألة تتجاوز تونس شاء التوانسة أم أبوا . بمعنى أن تونس قد دخلت الامتحان الذي فرض تباعا على غير بقعة عربية هل أن سقوط النظام يعني بالضرورة حالة طويلة من انعدام الاستقرار بل الفوضى أم انه بالامكان تصور سيناريو انتقالي شبه سلمي إن كان الجواب التونسي إيجابيا تصبح العدوى أكثر احتمالا . أما إن عجز التوانسة عن إنتاج نظام بديل في فترة معقولة من الزمن أو إن سمحوا للخارج أن يتدخل في شؤونهم أو ذهبوا إلى حد توسل التدخل الخارجي المستمر فقد يتحول حدثهم إلى فزاعة يهدّد بها زملاء بن علي من المستبدين العرب شعوبهم تحملوني كما أنا وإلا فالفوضى ستضربكم”. من جهة أخرى، نوه الكاتب بالعلاقة النموذجية بين الدولة والنظام في تونس أثناء قيام الثورة. وأشاد في هذا المجال بسلوك الجيش الوطني التونسي الذي “لم يهب هبة رجل واحد للدفاع عن بن علي” بل ربما أنه لعب دورا أكبر وقال هذا أمر في غاية الأهمية خصوصا إذا ما استمرت المؤسسات والإدارات المدنية في مساندة الثورة . فمن أهم شروط النجاح هو القدرة على الفصل بين الدولة و النظام . أما المفكر السوري برهان غليون فأعرب من جهته في محاضرة ألقاها قبل يومين في تونس بعنوان ” العالم العربي بعد الثورة التونسية .. الآفاق والتوقعات”، عن سعادته لعودته بعد غياب اختياري دام 19 سنة إلى تونس ” حرة ومحررة وسباقة في فتح طريق الحرية للعالم العربي بأجمعه” مؤكدا أن الثورة التونسية قدمت نموذجا حيا للشعوب العربية الأخرى وفضحت أزمة السلطة والشرعية التي تتخبط فيها الأنظمة العربية . واعتبر غليون أن ما حصل في تونس هو ” ثورة سياسية بالمعنى العميق استدرك الشعب التونسي بها ما تخلف عنه في مجال الديمقراطية ” ومن شأنه فتح باب الحداثة السياسية في العالم العربي حداثة ” جوهرها إقامة النظم السياسية على مبدأ السيادة للشعب ” ،حسب تعبيره. ولاحظ المفكر السوري أن استرجاع هذه السيادة من قبل الشعب يضع حدا لمرحلة تاريخية صودرت فيها الإرادة الشعبية من قبل نخب الاستقلال التي نصبت نفسها كوصي على الشعوب تلاها جيل آخر من الحكام انتزع الصلاحية والأهلية لفائدة أقلية متنفذة وفاسدة ومتواطئة مع المصالح الأجنبية مما انجر عنه قهر ممنهج للشعب من الداخل والخارج “. وحول العوامل التي أدت إلى ذلك أكد برهان غليون على دور الثورة المعلوماتية الحديثة التي كسرت احتكار المعلومات الذي يميز النظم الاستبدادية القائمة على قطع الاتصال بين المواطنين ومع الآخر ومنع التواصل الفكري والحضاري. كما شدد على الإفلاس المشين الذي ميز نظامي بن علي ومبارك من حيث الاستهتار بحقوق المواطنة والتعدي على حرمة القانون والفساد المالي والانحطاط الأخلاقي والثراء الفاحش ملاحظا أن ” ليس الفقر وحده الذي يدفع للثورة بل الشعور بأن الفقر غير عادل”.