قبل أيام ظهر صوت الشيخ أحمد الأسير الإمام السابق لمسجد بلال بن رباح في صيدا, عبر تسجيل صوتي ينعي فيه ضحاياه في أحداث المسجد التي جرت نهاية شهر يونيه الماضي, بعد اقتحام الجيش اللبناني للمكان وبذلك يكون قطع الشك باليقين بأنه ما يزال علي قيد الحياة. لم يقتل في الأحداث ونجا منها بغرابة شديدة رغم الحصار والنيران وصعوبة التنقل. في الوقت الذي لم يظهر بعد أي أثر للمطرب اللبناني فضل شاكر رفيقه في المواجهات, وما تزال الأخبار عنه يكتنفها الغموض رغم مرور أسبوعين علي انتهاء المواجهات التي دارت. صوت الأسير لم يكن مفاجئا لأحد في لبنان, فالجميع يعرف أنه تمكن من الخروج. لكن لا أحد يعرف أين أختفي الفنان فضل شاكر وشيخه بعد الموقعة التي استمرت ثلاثة أيام؟ هل مازال علي قيد الحياة ونجا من القصف الذي صوبه الجيش في اتجاه المربع الأمني الذي كان يتحصنان فيه. جاءت نهاية مشوار الفنان فضل شاكر مأساوية, بعد أن ترك فنه وانخرط في الفكر المتشدد فهو اختار الطريق المر وتأثر بفكر الشيخ أحمد الأسير المتشدد وحمل السلاح وتورط في العنف, وبالغ كثيرا في تبرير مواقفه الغريبة. كانت قضيته في بداية الأمر موقفا دينيا من مهنة الفن والغناء, تقبل البعض وجهة نظره فهو كغيره حر في مواقفه وقراراته الشخصية, لكن بمرور الوقت تحول الفنان الحالم إلي شخص آخر, ذيو لحية كثيفة حاد في نظراته ومواقفه يتحدي بالقتل والقصاص وهو يتلفح بخزائن السلاح وهي تثقل كتفيه. أبدي فتاوي شديدة التطرف وقال إن الموسيقي فعل حرام, وكان يجلس إلي جواره شيخه الأسير الذي حاول أن يخفف من صدمة الفتوي وقال: هناك اجتهادات حول الموسيقي البعض يجيزها والبعض يحرمها. غير أن فضل شاكر لم يتراجع وخرجت الفتوي منه مدوية تمثل الصدمة ذاتها التي بدا هو عليها في مظهره الجديد. البعض يربط بين ظروف عائلية عصفت به قبل سنوات كانت وراء التحول الغريب الذي طرأ علي حياته, من بين هذه الظروف انفصاله عن زوجته وزواج كريمته من زوج مسيحي. وهي أمور واردة وقطعا تشكل ضغطا علي أي إنسان. ويبدو أن تكوينه الفني المرهف لم يصمد أمام التحديات الجديدة التي يتعرض لها, وانهار تماما وقرر اعتزال الغناء والفن. وليته فعل هذا واكتفي. ولم يبدأ مشوار النهاية الدامية و هو مشوار التطرف. هنا التقطه الشيخ الأسير إمام وخطيب مسجد بلال بن رباح في صيدا, وهو مربع أمني يتجاوز مفهوم المسجد أو حتي المجمع الخيري, بل هو عبارة عن مربع أمني كان يضم تحصينات, ومليشيات عسكرية مسلحة ومدربة علي كافة أنواع القتال, وكاميرات مراقبة للكشف عن كل مصدر يقترب من المكان. نجح الشيخ في أن يستقطب فضل شاكر ويقدمه بلقب الحاج والمجاهد. ودخل الفنان في صدام حاد مع' حزب الله'ومع رموز في صيدا, وكان يجاهر بأنه سيقتل وسينتقم. لم تكن عائلته الصغيرة راضية عما ألت إليه حياته الجديدة. وكانت تتألم وهي تتابع الانهيار الإنساني الذي يمر به, وتدرك أن نهايته حتما ستكون مأساوية, خصوصا بعد التصاقه بالشيخ الأسير المثير للجدل. تعرضت ممتلكات فضل في صيدا للحرق خصوصا منزله الأنيق, مما جعله يفقد صوابه ويقرر الانتقام بنفسه دون أن يمنح السلطات مهلة معاقبة الجناة, فكانت النتيجة أنه خسر كل شيء حتي نفسه. ويبدو أن من خطط لتدمير منزله يعرف طبيعته ورد فعله, ولهذا تم جره إلي هذا المصير وتلك النهاية. فضل شاكر في منتصف الاربعينيات من العمر, ولد في مخيم عين الحلوة من أب لبناني وأم فلسطينية, ويعرف عنه أنه كان خجولا, يمتلك صوتا قويا واحساسا فنيا رائعا. كل هذا لم يشفع له أن يبقي في عالمه ويبتعد عن التشدد, وعن فتاوي مشايخ التطرف. في نظر الكثيرين في لبنان شكلت في لحظة ما حالة الشيخ الأسير, معني مهما لدي الطائفة السنية ف ي لبنان, كونه يستطيع أن يحقق نوعا ما من التوازن في ميزان القوي مع' حزب الله'علي الأرض, ولهذا كان يحظ الأسير بنوع من الدعم والمساندة. لكنه للاسف لم يلتزم لعبة السياسة ودخل في صدام مسلح مع الجيش في تطور غريب وغير مفهوم, وظهر كمن ينتحر رميا بالرصاص, والملفت أن الفنان كان يتصدر المشهد المأساوي ويدعمه. ومن هنا جاءت النهاية سريعا ولم يخدم الأسير الطائفة السنية, ولم يجد النصح مع الفنان الذي استنجد به. وأصبحت حياتهما المتبقية تحت الأرض. لا يمكن أن تبصر الشمس. فهما مطلوبان للعدالة في لبنان, بتهم القتل والترويع وسفك الدماء.