يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} (الآية 188). بعد ان تحدث الحق سبحانه وتعالى في الآيات السابقة على هذه الآية عن الصيام وما يتعلق به من أحكام اعقب ذلك بالنهي عن اكل الحرام لأنه يؤدي الى عدم قبول الطاعات والعبادات من صيام واعتكاف ودعاء وغير ذلك فقال سبحانه: {ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام..}. والخطاب في الآية الكريمة موجه الى المؤمنين كافة في كل زمان ومكان.. والمراد بالأكل مطلق الاخذ بغير وجه حق، وعبر عنه بالأكل، لان الأكل اهم وسائل الحياة وفيه تصرف الاموال غالبا. والمراد بالباطل هنا: كل ما لم يبح الشرع اخذه من المال وان طالبت به النفس، كالربا والميسر وثمن الخمر، والرشوة، وشهادة الزور، والسرقة، والغصب، ونحو ذلك مما حرّمه الله تعالى. والمعنى العام للآية الكريمة: لا يأخذ بعضكم مال بعض، ويستولي عليه بغير حق متذرعا بالأسباب الباطلة، والحيل الزائفة، وما الى ذلك من وجوه التعدي والظلم. سلوك بغيض وفي قوله سبحانه: {اموالكم} اشعار بوحدة الأمة وتكافلها، وتنبيه الى ان احترام مال غيرك وحفظه هو عين الاحترام والحفظ لمالك انت، ففي هذه الاضافة، البليغة تعليل للنهي وبيان لحكمة الحكم، اذ استحلال الانسان لمال غيره يجرئ هذا الغير على استحلال مال ذلك الانسان المتعدي، واذا فشا هذا السلوك في امة من الأمم ادى بها الى الضعف والتعادي والتباغض... فما أحكم هذا التعبير، وما اجمل هذا التصوير. وقوله عزّ وجلّ : {وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} بيان لصورة اخرى قبيحة من صور اكل اموال الناس بالباطل... والمراد بالادلاء هناك الدفع والالقاء بالاموال الى الغير من اجل الوصول الى امر معيّن... والمراد بالحكام في الآية الكريمة: كل من يتصدى للفصل بين الناس في خصوماتهم وقضاياهم والمراد بالإثم: كل فعل يستحق صاحبه الذم والعقاب. والمعنى العام للآية الكريمة كما يقول احد العلماء المسلمين لا يأخذ بعضكم اموال بعض ايها المسلمون ولا يستولي عليها بغير حق، ولا تدلوا بها الى الحكام.. اي ولا تلقوا امرها والتحاكم فيها الى القضاة لا من اجل الوصول الى الحق، وانما من اجل ان تأخذوا عن طريق التحاكم قطعة من اموال غيركم متلبسين بالإثم الذي يؤدي الى عقابكم، حال كونكم تعلمون انكم على باطل، ولا شك في ان اتيان الباطل مع العلم بأنه باطل ادعى الى التوبيخ من اتيانه على جهالة به. فعلى هذا الوجه يكون المراد بالإدلاء بالاموال الى الحكام طرحها امامهم ليقضوا فيها وليتوسل بعض الخصوم عن طريق هذا القضاء اكل الاموال بالباطل حين عجزوا عن اكلها بالمغالبة.