ويبقى المترجم خارج المشهد، ذلك المجتهد المجهد الذي يبذل نور عينيه. وثروات فكره، لنقل كنوز الأدب العالمي إلى لغتنا العربية، وهي مهمة عسيرة من أساسياتها الحفاظ على جودة النصر الأصلي. ومحاولة تبليغه دون إضعاف سموّه ودون التخفيض من جماليته هذا المترجم الذي ينفق من عمره السنوات تلو السنوات من أجل ترجمة كتب لا نستطيع قراءتها بلغتها لنقص في معرفتنا باللغات. هذا المترجم نتناساه ونحن نقرأ ما ترجمه ونطلق آهات الاعجاب بكاتب الكتاب، وبروعة أثره، ولا نهدي تحية ولو خافتة إلى المترجم. *** آه، ها أنني أحاول تصوّر جهود محمد علي اليوسفي في الترجمة. فلا أستطيع وأنا أقرأ (الفنشق) لكازنتزاكي. أقف إجلالا واحتفاء وتقديرا لقدرة مترجمه (اليوسفي) وعبقرية ترجمته. وإن كنت لا أستطيع إدراك ما أنفقه من وقته وأعصابه وفكره، وعمره لترجمة هذا الكتاب العظيم.. وكتب أخرى. وأعرف محمد علي اليوسفي كم ترجم ولن أنسى إبداعه المتناهي في نقله البديع لطقوس وثراء وبهاء رواية غابريال غارسيا ماركيز (خريف البطريرك) ذلك العمل العميق المذهل. فآلاف التحيات لليوسفي وإلى أمثاله إنهم مبدعون عباقرة. *** وذلك المبدع عفيف دمشقية. وهو يقدم لنا بإخلاص ووفاء وإبداع إبداعات ميلان كونديرا، واسماعيل كاداريه، وأمين معلوف.. و.. كم أتلذذ ترجماته فأتصور أنني أقرأ الأثر الأصلي لتجلي الابداع في النص الذي أطالعه وهذا يحتاج «إلى جهد وكدّ وجدّ» وتضحية فآلاف التحيات لدمشقية وإلى أمثاله. إنهم مبدعون عباقرة. *** وأحيي أيضا جورج طرابيشي، ذلك المفكر الذي أبدع في ترجمة (فرويد) وما في أعماله من تعقيدات وعمق. فقد استطاع هذا المترجم أن ينقل لنا بأمانة تامة أفكار فرويد المعقدة. كما انه نقل لنا العمل الرائع لكازنتزاكي (زوربا) فأمتعنا، وأوصلنا إلى حدّ تلذذ ذلك العمل الشاهق.. الغائق الروعة. فآلاف التحيات إلى طرابيشي وإلى أمثاله. إنهم مبدعون عباقرة. *** وكيف أتحدّث عن ابداعات المترجمين ولا أمرّ بصالح علماني، الذي ترجم لنا أعمال غابريال ماركيز بقدرة فائقة، فإذا بنا نقرأ النص العربي بمتعة. وكأن كاتبه ينطق بلسان عربي بليغ. إن هذا المترجم فنّان في ترجمته حتى أنني حين أريد قراءة ماركيز أميل إلى ترجماته. فالاف التحيات إلى علماني وإلى زملائه. إنهم مبدعون عباقرة. *** وأذكر كذلك المترجم البارع الذي استطاع أن يحقق احدى أمنياتنا الكثيرة. فنقل لنا (اسم الوردة) للإيطالي أمبرتو إيكو. وبكل صدق إبداعي إنه التونسي أحمد الصمعي. وبشهادة الكثيرين فإن ترجمته أصدق وأمتع من ترجمات عربية أخرى لنفس الرواية العالمية. فآلاف التحيات إلى الصمعي وإلى أمثاله. إنهم مبدعون عباقرة. *** لابد أن ننظر إلى المترجم نظرة فيها اعجاب وإجلال. فهو ليس ساعي بريد (مع حبنا الكبير لسعاة البريد الأعزاء). إن المترجم مغامر ومجتهد وصاحب تضحيات ومبدع حقيقي. طبعا نحن لا نعني من ترجموا وأساؤوا إلى النصوص الأصلية. إننا نعني من ترجموا وأبدعوا علينا أن نعبّر عن اعجابنا بجهودهم وبإبداعاتهم. فالنص المترجم ملك لمبدعين. صاحبه ومترجمه ولابد من تقسيم إعجابنا بينهما بالتساوي. هذا رأيي. فآلاف التحيات إلى المترجمين الجيدين المجتهدين. وهنيئا لنا بهم.