الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وسلّم في ليلة اليوم الثالث من صفر سنة 1327 لفظتني السماء الى هذا العالم الغريب فكنت بشرا سويا. ولما بلغت الخامسة من سني حياتي، بعث بي والدي وكان اذ ذاك ببلدة قابس الى المكتب العربي الفرنسوي ولكنني لم ألبث به الا اياما قلائل لا تتجاوز الخمسة عشر حتى اخرجني منه وارسلني الى الكتاب فلبثت به بضع سنين اقرأ القرآن ثم ارتحلت مع والدي الى بلاد كثيرة بالايالة التونسية ومهما حللنا ببلد الا وقرأت بأحد كتاتيبها. الى ان طوحت بنا النقل الى بلد مجاز الباب فمكثت فيه سنين عدة اقرأ ببعض الكتاتيب هناك. الى ان بلغت من العمر الثانية عشرة فوجهني الوالد الى الكلية الزيتونية وكان ذلك في سنة 1339 فلبثت بها اقرأ ولا زلت الى الآن.. اما حياتي الادبية. فتبتدئ من سنة 1337 تقربيا حيث انني شغفت بالادب منذ صباي شغفا عميقا اذ صادف في نفسي هوى كامنا فأثاره فكنت اتلقف بلهفة، كل ما استطاعت يميني تناوله من كتب والدي او من غيرها. ولما قدمت الى المعهد الزيتوني اشتد بي التوق الى الأدب فكنت كثيرا ما اذهب الى المكتبة الخلدونية اطالع ما بها من طارف الادب وتليده. ولما بلغت من العمر الثالث عشر اي في الثانية من سني دراستي بالمعهد الزيتوني نظمت الشعر. ولكن ما نظمته في تلك السنة على قلته قد طواه الزمان فاندثر: بعضه ضاع في ايدي الرفقاء. وبعضه لم ادر له مستقرا. وقد تناوبتني من ذلك العهد افكار متنافرة في فترات مختلفة حببت اليّ النثر احيانا. وبغّضت لي الشعر وقلبت لي ظهر المجن في فينات اخر فكرهت النثر واحببت الشعر. اما الآن فهمنا خدناي في فجر الحياة وغروبها. وبلبلاي في ابتسامها وقطوبها. واني وان كنت الى الشعر اتوق مني الى النثر. لكنني لا اظن على نثري بعبق من عواطفي وأفكاري. تلك هي الكلمة التي اقولها لك ايها الصديق مقتضبة غامضة حاولت بها ان انثر امامكم بعض ما طوته مني السنون. وان اعيد لذاكرة الايام رسما قد تلاشى في ظلام النسيان. أجل. انها مقتضبة لان اعظم ثورة ايقظتها الأيام في نفسي فحولت في قلبي مجاري الحياة، لم اصارحك بها ولن اصارحك بها بل انها ستبقى سرا مكتوما هائما مع احلامي في ظلام الفؤاد وستبقى طيفا غامضا الى الأبد. وكتب في 17 محرّم الحرام سنة 1346 بلقاسم بن محمد بن بلقاسم الشابي