(...) امس كنت اسير وحيدا في الشارع كنت اقول: آن لي ان ارحل فإذا رحلت فالى الابد كي لا أعود ثانية الى هنا كنت اؤكد انك بالطبع، غير محقة وأشتمك لقاء كلماتك كلها قائلا مرارا: انني سأجد غيرك لا لشيء الا نكاية بك.. وكانت خطاي بين اسراع وابطاء ووجدت نفسي عند باب منزلك (...) وأحب الفجر القرمزي احب الغروب، وهو وقت الصلاة احب العسل في لونه الأول أحب ارجوان الأوراق المتساقطة *** وأحب العراء، لا المكوث في البيت وان انعس واتمدد في الحقل الرائق، فوق الاعشاب المسكرة الى ان ينحدر القمر فوق رأسي *** بلا زورنا، بلا جنغور (1) يمكنني ان اتمتع بالموسيقى فليس عبثا ان تراني اذن أتردد كثيرا على ضفة الساقية *** استطيع ان استغني عن المنزل نفسه ما بي حاجة لأي شيء في الحياة سوى ان تظل الجبال بصخورها وسلاسلها قريبة من قلبي لأكثر من مرة على الاقل سأطوف بها متسلقا تضاريسها كم من لون لم يعتم بعد كم من صفاء باق منذ بدء الخليقة! *** كالسمك النهري يبدو النبع في الصباح منقّطا ببقع ارجوانية عند سفح الجبل وكي اغسل وجهي بيدي الدافئتين أخذ فضته القارسة *** وأحب الضجيج في قاع شقوقها يبعثه الماعز الجبلي، ملقيا قرونه الى الوراء والخضرة المنبثقة من خلال الصخور والثلوج الباقية منذ آلاف السنين *** وأحب الشجر اعبده بثقة طفل وأدخل الغابة كما ادخل باب صديق اتجول فيها كأنني في مملكة *** أرى ازهار الوادي الجبلي، والنحل لم يتذوق من بريقها الا قليلا انحني محيّيا بقلبي كله كل قبضة من ثرانا الغالي عليّ منذ طفولتي *** على ركبتي عند منعطف النهر اركع كما يركع الحجاج رافعا يدي الى السماء داعيا، مصليا من اجل ارضي المعشوقة! (...) كان أبي شاعرا جبليا وعبر عمره الطويل كتب اشعاره عن الجيران، عن جبلي خونزا عن اعمالهم الوضيئة وذنوبهم مرة جاء الشيوخ قائلين: (نحن لايمكننا ان نفهم كيف حدث انك لم تكتب بيتا واحدا عن تلك التي هي اغلى كائن لديك؟) انما كان لأبي رأي آخر: (من يمدح زوجته.. فهو احمق ومن يشتمها... فهو لئيم..) اما انا فكنت اكتب قصائدي طوال عمري عن زوجتي، وها أنا ادرك أخيرا ان ابي كان على حق! --------------------------------------- (1) الزورنا: نوع من المزمار والجنغور: آلة وترية